1-2
"هذا تهجير حريري ياسيدي، طائرة ومطار وبرلين وبيروت (تعال وشوف حالي) هل تعرف شيئا عن مهجري ومهاجري العراق وهل سمعت يوما او قرأت هذه العبارة (مطلوب دم لا يؤجر ولا يباع) عبارة تكتب على الدار التي تركها أهلها تحت التهديد بالقتل والتصفية الجسدية ان لم يرحلوا لانهم من طائفة اخرى فقط لا غير، هذا حدث ويحدث وبنجاح ساحق وبعرض مستمر منذ سنوات في بلد الطوائف تحياتي وتقديري لك أستاذ".
ذلك هو تعليق القارئ سعيد فرحان، (لكي لا أقول الزميل، لأن لنا زميلاً يحمل هذا الاسم يعيش في لوزان في سويسرا) على عمودي هنا في المدى "أطول ليلة في حياة ليال"، وبالذات في القسم الثاني منه.
من يقول إذن أن الأعمدة لا تُقرأ. ومن يقول، أن الأعمدة لا تستفز أحيانا. أظن أن كل كتّاب الأعمدة يتمنون ذلك، في الأزمان القديمة، عندما لم يكن الإنترنت قد دخل حياتنا، كان كتّاب الأعمدة ينتظرون بلهفة رسائل القراء، تلك هي طقوس الصحافة والكتابة، من ناحيتي أحترمها، من حق القارئ التعليق، ولا يهم إذا كانت بعض التعليقات استفزازية، وأغلبها يختفى خلف اسم مستعار، رغم أن من غير الإنصاف، أنك تكتب العمود باسمك الصريح، ويعلق أحدهم باسم مستعار، لذلك أتمنى من القلب ألا يكون اسم المعلق مستعاراً، لأنه يذكرني باسم زميل لي أعرفه منذ سنوات السبعينات يعيش اليوم في منفاه في لوزان، خاصة ونحن نعيش في العراق تحت ظروف تختلف عن ظروف النظام السابق، نظرياً من حق أي أنسان التعبير عن رأيه كما يشاء، عملياً الأمر هكذا، أعني الكتابة الحرة أمر خاص بكل كاتب.
عادة ليس من الضروري الردّ أو التعليق على تعليق، لأن التعليق في النهاية هو رأي لصاحبه، مثلما هو مضمون العمود رأي لكاتب العمود. هناك حالات طبعاً تستدعي توضيحها أو التعليق عنها، كما هي الحال مع تعليق القارئ سعيد فرحان. فأنا عندما كتبت عمود "أطول ليلة في حياة ليال"، تعمدت نشره في هذا الوقت بالذات، ليس لأنني رأيت الفلم التسجيلي الذي يتحدث عن تهجير العائلة اللبنانية الأصل في إحدى صالات برلين، بل لأنني أعرف أن التهجير الذي يتحدث عنه، هو كما قال صاحب التعليق في المحصلة "تهجير حريري ...، طائرة ومطار وبرلين وبيروت"، على عكس التهجير الذي تعرض له صاحب التعليق والذي هو قلع من المكان.
لم أكن جاهلاً يوماً لهذا النوع من التهجير. لقد رأيت بنفسي ذلك، أخت لي هُجرت مع عائلتها (كان أطفالها لا يزالون رُضع) ُوأُحتل بيتها من قبل أوغاد "إسلاميين" سعوديين وأفغان وقادمين من بلدان الواق واق. من 2006 إلى 2008، لم تعرف عائلة أختي الاستقرار. في عام 2010 عندما زرتها في بغداد، أرتني بيتها ونحن في السيارة من البعيد، شارع واحد يفصلها عن الجهة الأخرى التي وقع فيها بيتها الذي لا تستطيع دخوله حتى اليوم. ليس ذلك وحسب، بل في زيارة لي لمدينة جنوبية عام 2010 رأيت بنفسي كيف خُط بصبغ أحمر عريض على واجهة محل يقع عند مدخل السوق الرئيسي في المدينة "مطلوب دم لا يؤجر ولا يُباع"، قيل لي، أن قريباً لصاحب المحل مطلوب في قضية دم. كل القصص هذه عرفناها، وعرفها صاحب التعليق. ماذا عن تهجير المسيحيين من منطقة المسبح والعرصات؟ ضُربت كنائسهم وهُددوا بالقتل، ثم جاء الحيتان وابتلعوا أملاكهم. واليوم يأتي أوغاد "إسلاميين" جدد، يقتلون ناس، لا يهجرونهم بل يذبحونهم مباشرة. وسأعلق على هذه القصة وغيرها في عمود الأسبوع القادم.
يتبع
بين التهجير الناعم والتهجير بالسلاح
[post-views]
نشر في: 18 نوفمبر, 2014: 09:01 م