نرفع الأيادي عالياً بنقطة نظام في وجه الحكومة التي استعجلت مجلس النواب ليقرّ مجموعة من مشاريع القوانين، بينها مشروع "قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي" .. ضد هذا القانون المقترح بالذات نستخدم حقنا في نقطة النظام.
مشروع القانون هذا أعدته الحكومة السابقة وقدّمته الى البرلمان السابق في العام 2012 في إطار حزمة من القوانين التي أرادت تلك الحكومة تمريرها لتكبيل حرية التعبير بقيود ثقيلة ولوضع الأساس لدكتاتورية من نمط جديد. تلك الحملة بدأت مع "قانون حقوق الصحفيين" الذي استقتلت حكومة المالكي الثانية لتشريعه برغم الحملة المناهضة له بين صفوف الصحفيين والإعلاميين الحقيقيين (هذا تمييزاً لهم عن الدخلاء والطارئين على المهنة الذين صفقوا للقانون بحماسة طمعاً في مغانم من السحت الحرام، ولم يحصلوا حتى هم على شيء من جرائه فيما هو فرض قيوداً على حرية العمل الصحفي، واستخدمته الحكومة لتسويغ إجراءاتها التعسفية في حق كتّاب ومؤسسات إعلامية تصدّت بشجاعة لسياسات المالكي الخاطئة التي قادت الى كارثة احتلال داعش الإرهابي ثلث مساحة البلاد ومقتل وسبي الآلاف من الشباب والنساء ونزوح نحو مليوني نسمة من مناطقهم).
مجلس النواب السابق رفض مسودة قانون حرية التعبير لوجود عيوب خطيرة كثيرة فيها، فردّها الى الحكومة لتعديلها. وما ساهم في تشكيل الموقف السليم للبرلمان الحملة القوية المناهضة للقانون في الأوساط الصحفية والإعلامية والثقافية والسياسية، فضلاً عن منظمات المجتمع المدني، التي رفعت الصوت عالياً بان القانون المقترح سيعيد إنتاج الدكتاتورية المتوحشة لصدام حسين على هذا الصعيد، أو في الأقل لا يضمن ممارسة حرية التعبير التي كفلها الدستور صراحة وحظر تشريع أي قانون يتعارض مع مبادئه وأحكامه.
كان من اللازم أن تجري تلك الحكومة التعديلات المطلوبة في ضوء الملاحظات التي أبداها نواب وطرحها العشرات من الكتاب ورجال القانون والنشطاء السياسيين والمدنيين عبر وسائل الإعلام وفي الندوات وورشات العمل التي عقدت في العاصمة ومعظم المدن الرئيسة الأخرى، لكننا نكتشف الآن ان حكومة المالكي قد ركنت جانباً مسودة القانون المنبوذة المُعادة اليها ولم تنظر فيها، لتعود المسودة بنصها الأصلي المرفوض نيابياً وشعبياً الى البرلمان الحالي.
القانون المقترح سيئ للغاية، كما مشروع قانون جرائم المعلوماتية المسحوب من التداول في عهد الحكومة والبرلمان السابقين أيضاً، وكما قانون حقوق الصحفيين المُمرّر بالتوافقات والتفاهمات المصلحية غير المشروعة.
ثمة مئة ملاحظة وملاحظة ومئة طعن وطعن في مسودة القانون، لم تنفرد بها المنظمات والهيئات العراقية المعنية بالأمر، وإنما أيضاً بعض المنظمات الدولية كـ"هيومن رايتس ووتش" و"صحفيون بلا حدود" و"آرتكل 19" (المادة 19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسواها.
الآن تجري حملة تنظمها نقابات ومنظمات مدنية ونشطاء سياسيون لإقناع البرلمان بوقف مناقشة مشروع القانون وإعادته إلى الحكومة مرفقاً بكل الملاحظات والطعون المثارة، وبفتح باب النقاش مُجدداً بشأن هذا القانون لضمان صوغ نسخة جديدة تتوافق مع مبادئ الدستور وأحكامه ومع أحكام المواثيق والشرائع الدولية المعنية بهذا الأمر.
لا ينبغي السماح بفتح أي كوّة يمكن أن يتسلل عبرها أي شكل من أشكال الدكتاتورية، ومشروع القانون المطروح يفتح باباً بالحجم الكبير لإعادة إنتاج "جمهورية الخوف" البائدة.
قانون لا حرية التعبير!
[post-views]
نشر في: 18 نوفمبر, 2014: 09:01 م