TOP

جريدة المدى > سينما > بعد ترميمه بنسخة جديدة.."لون الرمان".. فرصة لتذوق رائعة باراجانوف الشعرية

بعد ترميمه بنسخة جديدة.."لون الرمان".. فرصة لتذوق رائعة باراجانوف الشعرية

نشر في: 19 نوفمبر, 2014: 09:01 م

حين قدم مارتن سكورسيزي النسخة الجديدة، التي استعادتها "مؤسسة الفيلم" التابعة له من فيلم "لون الرمان" في مهرجان تورنتو في شهر أيلول الماضي، أخبر الجمهور المنتظر بأنهم على وشك مشاهدة صور ورؤى "مختلفة كلياً عن أي شيء آخر في تاريخ السينما". إنّ هذا الف

حين قدم مارتن سكورسيزي النسخة الجديدة، التي استعادتها "مؤسسة الفيلم" التابعة له من فيلم "لون الرمان" في مهرجان تورنتو في شهر أيلول الماضي، أخبر الجمهور المنتظر بأنهم على وشك مشاهدة صور ورؤى "مختلفة كلياً عن أي شيء آخر في تاريخ السينما".
إنّ هذا الفيلم الأرمني المصنوع عام 1969، الذي اختارته مجلة "سايت أند سوند" مؤخراً في قائمة أعظم الأفلام في السينما، حصل فقط على عرض رسمي متأخر في السينمات الغربية في عام 1982.، لكن حتى الشغوفين بالسينما والنقاد، الذين بالغوا في مديح الفيلم بعد ذلك، عليهم الآن أن يتهيأوا لرؤية رائعة باراجانوف من جديد.

 

الترميم الرقمي، الذي جرى بالتعاون مع "سنيتيكا دي بولونيا"، اقترب بشكل محكم من رؤية المخرج الأصلية في هذه النسخة، التي وصفها الناقد ومدير مهرجان تورنتو جيمس كواندت كونها "كأسا سينمائية مقدسة"، وقد عرضت أيضا في مهرجان لندن السينمائي. 

بعد أربع سنوات من إكمال باراجانوف لما يعرف فيما بعد بفيلم "سايات نوفا" – وهو قصيدته الفلمية المدهشة التي استلهمها من حياة شاعر وموسيقار جوال من القرن الثامن عشر- تم القبض عليه من قبل السلطات السوفيتية وقضى أكثر من ثلاث سنوات في السجن، بينما كان يعاني من رؤية أفلامه تعاد منتجتها و تعرض بشكل محدود. 
إن تاريخ فيلم "لون الرمان" وخلفيته استثنائيان مثل مجاز الفيلم الفنتازي. ولد بارجانوف في عام 1924 بجورجيا السوفيتية لوالدين أرمنيين، وكان موسيقاراً موهوباً قبل أن يحول اهتماماته إلى صناعة الفيلم حين كان عمره 21 سنة، ملتحقاً بالمعهد السينمائي المشهور لعموم الاتحاد السوفيتي في موسكو. 
بعد ثلاث سنوات كان صدامه الأول مع السلطات السوفيتية، إذ قضى سنتين في السجن بعد أن وجد مذنباً في تصرفات شاذة عُدّت ممنوعة في روسيا آنذاك. أطلق سراح باراجانوف بعد الاستئناف، وقد أنكر الاتهامات دائماً ، لكن المشهد سيكون فيما بعد عاملاً رئيساً في التاريخ المزعج لفيلم "لون الرمان". 
تزوج في عام 1950 ،لكن حياته الشخصية استمرت معذبة، إذ قتلت زوجته في السنة التالية، ويعتقد بأن اخوانها ارتكبوا الجريمة بسبب خلاف ديني أو مالي. انتهى زواجه الذي استمرّ سبع سنوات بالطلاق عام 1962، وهي السنة نفسها التي أطلق فيها أندريه تاركوفسكي فيلمه الأول الرائع " طفولة إيفان". إذ تعد نقطة تحول بالنسبة لبارجانوف، الذي تبرأ من أعماله الأولى وسوف يكتب فيما بعد عن زميله المخرج في مجلة "فيلم كومنت":" تاركوفسكي الذي يصغرني باثني عشر سنة كان معلمي وناصحي.إنه أول مخرج يستعمل صور الحلم والذكريات في فيلم "طفولة إيفان" كي يقدم الترميز والمجاز. ساعد تاركوفسكي الناس على حلّ شفرة المجاز الشعري". 
صاغ بارجانوف في سنواته الأولى التمازج القوي للثقافات في موطنه، وربما كان إنجازه الأشد أهمية هو تقديم التراث الغني للدول السوفيتية غير الروسية "جورجيا وأرمينيا وأوكرانيا" إلى السينما العالمية. 
أفلامه الأخيرة هي مزيج قوي يجمع حبّ بارجانوف العميق للفن الفولكلوري للمنطقة وتأثيرات الأساتذة السوفيت الآخرين مثل سرجي أزنشتاين والكسندر دوفشنكو. في حالة "لون الرمان"، استعيرت الزخارف الأسلوبية من صناع الأفلام الصامتة وتقنية أفلام الحداثة على شكل قطع مفاجئ. 
أول فيلم في فترته الناضجة والفيلم الطويل الذي جلب له الشهرة العالمية كان "ظلال أجدادنا المنسيين" – 1964، وهو قصة حب مشؤوم بين عائلتين متنازعتين في الجبال الكارباثية الوعرة. لكن فيلم "لون الرمان"، المرتب على شكل فصول تصف حياة "سايات نوفا" في سلسلة من اللوحات الشعرية الشبيهة بالحلم، هو الذي وطد ميراثه وأدت بجلبرت أدير أن يقول في كتابه "ومضات": على الرغم من أنه في الأسلوب والمضمون يعطينا انطباعاً إلى حد ما أنه سبق اختراع السينما، إلا أنه لا يمكن أن يؤخذ رأي أي مؤرخ في الوسط يهمل فيلم "لون الرمان"، على نحو جدّي". 
كانت السلطات السوفيتية المسؤولة عن السينما سعيدة في الاستمرار بالعمل مع باراجانوف بسبب المكانة العالمية التي حازها أخيراً، لكنها عبرت عن قلقها بشأن السيناريو حتى قبل أن يبدأ بإنتاج فيلم "لون الرمان". الطبيعة الحساسة للفيلم الممتزجة مع سلوك المخرج الاستفزازي أحياناً إضافة إلى انخراطه في سياسات الإقليم سوف تؤدي به أخيراً إلى المراقبة الدقيقة. 
إن فيلم "لون الرمان"، حتى في شكله المعاد منتجته والمصمم لمحاولة جعله مفهوماً، تم رفضه عبر أنحاء العالم. وهناك نسخ مقرصنة ظهرت فقط في الخارج ما إن تم إيداع المخرج في السجن، إذ أصبحت المطالبة بإخراجه منه قضية بالنسبة لمجتمع السينما العالمية. 
يفتتح الفيلم بصوت ذكوري يزعم قائلاً:" أنا الذي حياته وروحه معذبتان" من قصيدة "سايات نوفا". في كتابه المؤلف عام 2013 "سينما سرجي بارجانوف" يعلن جيمس ستيفان:" معظم الغنى الموضوعاتي للفيلم والصدى العاطفي مشتق من رؤيته المزدوجة كفيلم حول الشاعر وسيرة ذاتية مشفرة بقلم باراجانوف". 
لم يكن المخرج قادراً على إكمال مشاريع جديدة قبل أن يقبض عليه مرة أخرى في عام 1974 بحجة تصرفاته الشاذة، لكنه كان جزءاَ مما ظهر كإجراءات سياسية صارمة أوسع من قبل السلطات السوفيتية التي عزمت على القضاء على أي شعور قومي في المنطقة. غادر باراجانوف السجن في عام 1977. إن دفاعه اللاحق الصريح عن الحرية الفنية أدى إلى إعادة القبض عليه في عام 1982، بسبب اتهامات الربح بالرشوة، ومن الأرجح أنه أفلت من سجن آخر بسبب الحملة القوية من أجله. 
كان باراجانوف قادراً على إكمال فيلمين، وتم الاحتفاء به في دوائر الفيلم العالمية في أواخر الثمانينات حين سمح له بالسفر. لكن كان في المراحل الأولى لمشروعه الأشد انتباهاً الذي يتعلق بسيرته بعنوان "الاعتراف"، حين تم تشخيص إصابته بسرطان الرئة الذي مات بسببه في عام 1990. 
يمكن أن يكون فيلم "لون الرمان" صاعقاً بالنسبة للمشاهد الغربي أو في الواقع لأي فرد لم يتعمق في تاريخ المنطقة التي تدور فيها الأحداث لكن مقدار الإنجاز السينمائي لباراجانوف يمكن النظر إليه بوضوح. في عروض الفيلم في مهرجان تورنتو قال سكورسيزي:" لم أكن أعرف عن "سايات نوفا" في نهاية الفيلم أكثر مما عرفته في البداية، لكن بدلاً من ذلك،فإنّ ما فعله باراجانوف أنه فتح باباً في التجربة السينمائية الخالدة". 
قال جان لوك غودار وهو أحد المخرجين الذين كافحوا من أجل إطلاق الفيلم في السبعينات:" اعتقد أنه عليك أن تعيش في الأقل على بعد 15 ميلاً وتشعر بالحاجة للمشي هناك على القدم لكي ترى فيلم "لون الرمان". إذا شعرت بالحاجة إلى ذلك ومنحته ذلك الاعتقاد فإن الفيلم يمكن أن يمنحك كل شيء ترغب به".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

السينما كفن كافكاوي

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram