TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مليون عراقي ضد الطائفية

مليون عراقي ضد الطائفية

نشر في: 19 نوفمبر, 2014: 09:01 م

لا اعرف القائمين على الحملة حتى الآن، فقد قرأت على فيسبوك فقط ان النائبة عن التحالف المدني شروق العبايجي تتولى التعريف داخل البرلمان، بمبادرة نشطاء يريدون جمع مليون توقيع وإرسالها لمجلس النواب، مطالبين بتشريع قانون يقوم بتجريم الطائفية. فاذا كنا نعتزم تجريم البعث، كصفحة سوداء استجمعت اسوأ أشكال الحماقة ونقص الحكمة والانفعال الطفولي، وأذاقتنا الويلات وخربت البلاد، فان الطائفيين باتوا يمثلون خطراً وجوديا لا في العراق فقط، بل في عموم المنطقة.
لم اتعرف بعد على تفاصيل الحملة وهوية الناشطين، لكنني في هذه اللحظة لا اجد مطلبا اكثر مشروعية من وضع قانون لتجريم الطائفية. لا ادري ان كان العالم من حولنا قد وضع قانونا خاصاً كهذا او لا، ولكن توجد تقاليد تشريعية عريقة لمناهضة العنصرية والكراهية، هي مرجع أساسي في خطوة كهذه. وزيرة بريطانية تتفوه بعبارة ساخرة ضد الباكستانيين الحاملين للجنسية الانكليزية، فيجبرها حزبها على الاستقالة. مراهقة والدها سناتور تتلفظ بعبارة ضد الإسبان الأمريكان، تعاقبها البلدية بغسل حمامات حي إسباني لمدة شهر، الخ من أمثلة لا تحصى.
لم ينجح الغرب في القضاء على العنصرية رغم مكافحتها القانونية، لكنه ضبطها وخفف إيقاعها. ومثل كل مجتمع متقدم، في وسع الغربيين ضبط المشاكل وتطويقها. اما المجتمع البدائي فيمكن ان تنهار حياته بسبب عاصفة مطرية احيانا. ونحن الآن مجتمع اقرب للبدائي، وبمصطلحات السيد نعيم عبعوب"زرق ورق"، وفي وسعنا ان نظل في هذا الوضع حتى ننقرض، كما في وسعنا ان نحاول الانتقال من فوضى السجالات الى مجتمع قانوني حديث. واقول"نحاول"اذ لا يوجد زر نضغط عليه ونحصل على حل. واية دعوة لتجريم الطائفية هي محاولة للانتقال من وضع بدائي للمشكلة، الى معالجة متحضرة.
اما البرلمان فلا أظن انه يمانع مبدئيا في تشريع قانون يعاقب الطائفية لكنه سيحتار بتعريف الجريمة، اذ من اصعب المهام ان يتفق ممثلو الشعب الغاطس في الطائفية، على تعريف الطائفية. وكيف تقوم السمكة بتعريف الماء؟
لكن الخبر الجيد ان الأمم المتقدمة بذلت جهدا رهيبا لتعريف معايير الكراهية، والتحريض على الكراهية، والعنصرية والطائفية جزء من هذا. ويمكن الاستعانة بخبراء ومشرعين عملوا في هذه الحقول منذ عقود، بدل ان نلف وندور وربما يتخبط بعضنا ويتحذلق ويخرب الفكرة من أساسها.
وتعريف الطائفية ينبغي ان يشمل العنصرية، لا حماية لأصولنا"الهندية والشركسية"وحسب، فهناك متطرفون أكراد ايضا، واصدقاؤنا الأكراد المعتدلون يشتكون منهم ومما يشيعون من آراء، يقابلهم بالطبع عرب يفكرون بطريقة رهيبة.
ابرز التعليقات التي تداولها الأصدقاء حين ناقشنا الموضوع، هو ان هذه نعرات عمرها قرون ولا جدوى من محاولة القضاء عليها. لكن النعرات هذه كانت مختبئة في بعض المساجد والحسينيات المتطرفة شيعيا وسنيّا، أما الآن فتلاحقنا في مخادعنا ونحن نتصفح اي موقع الكتروني عام. وسواء الآن او بعد خمسين عاما، سنحتاج تشريعات رادعة لهذا الإعصار المرعب، الذي يغطس فيه دونما شعور، شبابنا وأهلنا الطيبون.
ويمكن لنا ان نبدأ من تجريم هذه الصيغة الشائعة: ان الدكتاتورية الشيعية تهدد السنّة. وان الإرهاب السنّي يهدد الشيعة. فالتعامل مع نوري المالكي مثلا بوصفه مستبدا شيعيا، هو خطأ سياسي وثقافي رهيب، لأنه سيجعل شيعة كثيرين يتضامنون مع أخطائه. كما سيحبط شيعة شجعانا وقفوا بوجهه. وهل نسينا النتائج الوخيمة لاعتبار صدام حسين مجرما سنيّا؟ وكذلك هو اتهام السنّة بأنهم مصدر التفجيرات، واقل ما فيه هو نسيان الأعداد الهائلة من السنّة الذين قتلهم الارهاب الذي نفذه سنّة ايضا. والعكس هو صحيح.
أما الأمثلة الأوضح فهي الفضائيات والمواد التلفزيونية الشائعة التي تشتم كل الشيعة، وتشتم كل السنّة. بعض القنوات اغلقت مؤخرا، لكن كثيرا منها لايزال ينتج الكراهية بأوضح صورها، عند الطائفتين.
شكرا للمليون عراقي الذين سيوقعون على الطلب. وانا واثق من انهم سيتركون اثرا طيبا وسط هذه المنطقة الملتهبة بالحماقات، شرط ان نفكر بطريقة متعقلة، كي لا نكون اسوأ من الطائفي نفسه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 6

  1. رعد الصفار

    ان الطائفيه وصلت الي مدارس الاطفال وبتشجيع من بعض المدرسين والمدرسات الطائفين حتي النخاع

  2. ابوسجاد

    لااعتقد ان قانونا كهذا يشرع من قبل برلماننا وحتى لو شرع هذا القانون سيكون حبرا على ورق ولااحد سيفعله كونهم جميعا سنتة وشيعة في قمة الطائفية والاثنية

  3. د محمد اسماعيل مجيد

    بارك الله فيك اخي العزيز الاستاذ سرمد الطائي المحترم لا ادري ان كان احد من اعضاء المؤسسة قد اوضح جانبا من عمل المؤسسة التي يديرها الاخ الاستاذ حسان فالح هناك قانونيون ومختصون يعملون على وضع النقاط الاساسية للمشروع بينما يعمل الاخرون على جمع التواقيع في حم

  4. ابو اثير

    مبادرة تستحق ألأشادة والتعضيد والتشجيع والتوقيع عليها ومؤآزرتها على مختلف ألأصعدة لوأد هذه الموجة الطائفية التي غزت البلاد والعباد منذ ألأحتلال ولحد ألأن حيث روج لها سياسيوا الصدفة والنخبة التي جائت مع ألأحتلال حيث روجت لها وأشاعت الكراهية بين الشعب الواح

  5. عدنان فارس

    مودة حملة المليون توقيع ... هذه المرة ضد الطائفية!.... للقضاء على سيّئة الطائفية لوحدها ينبغي التخلّص من (سَدَنة الطائفية) في البرلمان والحكومة والقضاء.. فمِمّن ينبغي التخلص للقضاء على بقية السيّئات.. وهن كُثرُ!؟.... العراق الجديد ياسيد سرمد الطائي،

  6. علي العراقي

    استاذ سرمد العزيز اتمنى ان تتواصل انت وكل المثقفين في جريدتنا المدى الرائعة مدى الثقافة والفكر النير وان تتبنى انت وخلال الجريدةوموقعها هذا التوجه الجميل ضد الطائفية واتمنى ان تعلم ان الدولة بمؤسساتها تعمل بطائفية مقيتة واترك لك هذا المشهد واتمنى ان اقرأل

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram