تتحول تجارب بعض البلدان إلى مرايا تعكس لنا صورة عفوية للتحولات الكبرى التي تحدث من حولنا. منذ سنين وساستنا ومسؤولونا"نحن ايضا معهم"، يملأون الفضائيات والصحف بحديث عن المسيحيين والدفاع عنهم، وانهم إخوة لنا ولن نسمح باستهدافهم كما جاء في حديث الاربعاء"لعميد الادب السياسي نوري المالكي ، هذا في الإعلام المرئي والمسموع، اما في الواقع المعاش على الأرض ، فان مسيحيي هذه البلاد، هجّروا من بيوتهم في بغداد والبصرة والموصل بسبب خطاب يومي منفر، مخيف، مقزز، غاضب، وثأري وازدرائي وكاره لكل ما حوله.
مَن قتلَ الإيزيديين في بغداد، من كان يصر على محاصرة المسيحيين وإجبارهم على ترك بيوتهم؟.. كلها كانت أوامر وقرارات اتخذت بمعرفة وتخطيط من امراء الطوائف، لأننا عشنا ونعيش في ظل مشاعر من الكراهية تضخمت عند الكثير من الساسة، قابلتها هواجس من الخوف جعلت المواطن المسيحي والصابئي والإيزيدي يرضخ لتهديد ميليشيات تختفي تحت جلــد الأحزاب السياسية. بعد احد عشر عاما من الألم والخوف اكتشف المسيحيون أن لا دولة تحميهم.. ولا تعنيها قضيتهم.. ففي كل حوادث التهجير لم يُحاسب المتسببون في هذا المشهد الطائفي، لأن التقارير الرسمية، تنكر كل ما يقال عن هذا الموضوع وتشتم من يتحدث عنه.
وبعد ما جرى في الموصل على يد داعش وجدنا معظم مسؤولينا ونوابنا وقد شمروا عن سواعدهم، وبدأوا يكتبون البيانات الثورية حول جرائم داعش ضد المسيحيين، ويطالبون أنصارهم بالخروج بتظاهرة تندد وتشجب، دون ان يسأل هذا السياسي وذاك المسؤول، كم مسيحياً في حمايته؟ كم ايزيدياً يعمل في مكتبه ؟ كم صابئياً عينه مستشاراً لمعاليه؟ ماهي نسبة المسيحيين والصابئة والايزيديين في كتلته السياسية.. سيقول البعض انك تسأل اسئلة تافهة ، لأن ساستنا منذورون للقضايا الكبرى، من عينة مظلومية الشيعة، ورفع لواء الدفاع عن السنّة، وبالتأكيد مثل هذه الأسئلة في هذا الوقت العصيب الذي نواجه به الأعداء في الداخل والخارج تعد أمرا تافها.
وقبل ان يسألني البعض كيف تسنّى لك وضع مثل هذا العنوان الاستفزازي لعمودك الثامن ، وحتما هناك من سيشتمني ويقول"هكذا انتم معشر الكتاب، تبحثون عن خراب هذه البلاد"، وثالث سيكتب: هل نحن في وضع يسمح لنا بمثل هذه"الترهات"، فالأحداث تطحن الناس كل يوم، وقبل ان أجيب على هذه الأسئلة"اللطيفة"دعوني أقول لكم المفاجأة : بلدا بحجم إندونيسيا قرر امس، تعيين أول مسيحى لمنصب حاكم للعاصمة جاكرتا، اي محافظ للعاصمة مثل الحاج صلاح عبد الرزاق سابقا والحاج علي التميمي حاليا.
التجربة الإندونيسية المثيرة تؤكد ان أكبر جمهورية اسلامية في الارض، والتي حوّلها الاستعمار الهولندي في الماضي الى مستعمرة ذليلة، فإذا بساستها يحولونها بعد الاستقلال الى تجمع بشري قادر على الحياة والعمل والاستمرار والتوافق.
سيقول البعض كفى تهريجا يا رجل، كيف يمكن لأكبر بلد اسلامي ان يقبل بمحافظ نصراني لعاصمته؟ اذا علمنا ان بعض ساستنا"الحجاج"يغسلون ايديهم اذا صافحوا امرأة فكيف بالمسيحي، ولكن هذه هي الحقيقة فقد اختار الإندونيسيون السياسي باسوكي تجاهاجا حاكما عاما لعاصمتهم
، ومع ذلك لم تقم الدنيا وتقعد، ولم تنطلق صيحات الحفاظ على الهوية الإسلامية ونصرة المذهب، ولم يذهب قادة الدولة إلى وصف سكان العاصمة"بالعصاة"وانهم يريدون الإساءة للإسلام ، ذلك أن الجميع كانوا يضعون نصب أعينهم هدفا واحدا يتمثل فى إقامة دولة عصرية شعارها القانون لادولة القانون ودستورها المواطنة .
ماذا لو كان محافظ بغداد مسيحياً؟
[post-views]
نشر في: 19 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
رمزي الحيدر
الذي يشتمك يروح فِدوة الى قندرتك .
عادل زينل
لي كما لاخرين أصدقاء من الصابئة اوالمسحيين نعرفهم جيدآ , بيوتهم انظف من بيوتنا وفيها من الموجودات مايدل بوضوح على اعتناقهم النظافة كدين ناهيك عن قربهم والتصاقهم بالعلم والحضارة الى جانب _وهذا هو الأهم_ قلوبم النقية والطيبة , نعم لو تولى واحد من هؤلاء ادار
محمد توفيق
سياسيونا منافقون ومراؤون على مدالبصر، فهم يعلنون ان العراقيين بجميع قومياتهم وأديانهم متساوون في الحقوق والواجبات ، لكن فرائصهم رتعدت فزعاً حيال اقتراح يقضي باسناد وزارة المرأة إلى إنسانة عراقية مثلهم، كل ذنبها أنها أيزيدية في المذهب.