لاريب في ان معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ33 يعتبر حدثا ثقافيا هاما في العالم العربي حيث تتراجع نسبة القراء من عام الى آخر بسبب ظهور أجيال جديدة من العرب الذين لا يحسنون القراءة والكتابة او لا يهتم ابناؤها بالثقافة وكسب المعرفة اصلا بس
لاريب في ان معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ33 يعتبر حدثا ثقافيا هاما في العالم العربي حيث تتراجع نسبة القراء من عام الى آخر بسبب ظهور أجيال جديدة من العرب الذين لا يحسنون القراءة والكتابة او لا يهتم ابناؤها بالثقافة وكسب المعرفة اصلا بسبب الظروف الصعبة في حياة الانسان في العالم العربي. فالمعرض يضم في أجنحته منتجات دور النشر في 59 دولة تصدر المطبوعات بـ 210 لغات منها اللغة الروسية. وقد اتيحت لي الفرصة للمشاركة ضمن الوفد الروسي في أعمال المعرض لذا كان من الطبيعي ان اهتم ، انا القادم من روسيا ، بما ينشر من تراجم أعمال الأدب الروسي باللغة العربية. وقد جذب انتباهي بصورة خاصة جناح دار"المدى" بما تضمنه من تراجم عديدة من الروسية ، وهو ما يدعو الى الامتنان والتقديرعلى هذه المساهمة الطيبة للتعريف بالأدب الروسي.
وقد يطرح السؤال : هل يحتاج القارئ العربي الى الأدب الروسي ؟ والجواب على هذا بسيط للغاية هو ان الثقافة هي احدى المواد الرئيسية التي يمكن ان تقدمها روسيا الى العالم بالاضافة الى تصدير النفط والغاز والسلاح. ويحتفل بروسيا في عام 2015 بعيد الثقافة الذي يتواصل على مدى العام وتصدر فيه خيرة الأعمال الأدبية الروسية وتقام فيه الندوات والمؤتمرات والفعاليات الثقافية المختلفة الأمر الذي يؤكد أهمية الثقافة الروسية. ان الترجمة من الروسية الى اللغات الأخرى يمليها منطق تطور المجتمعات ، لأن الترجمة عملية انسانية تأريخية في التفاعل بين الحضارات. إنها تمثل حاجة وضرورة لنشر المعرفة. ولكن مع الأسف فانها لا تحظى في عالمنا العربي بالاهتمام اللازم لأن العالم العربي ما زال يعيش على هامش الحضارة العالمية كما يبدو. اذ ان ما ينشر من التراجم في جميع الدول العربية يشكل نسبة 5 بالمئة من الكتب الصادرة . وفي العام الماضي نشر 3 الاف كتاب مترجم يمثل الأدب نسبة قليلة جدا منها.
وثمة مسألة تجذب الاهتمام في هذا الموضوع هي تجاهل الحكومات في عالمنا العربي لأهمية الترجمة من اللغات الاخرى. علما ان الترجمة كانت تحظى منذ ايام خالد بن يزيد بن معاوية والخليفة العباسي المأمون والخلفاء في الاندلس برعاية السلطة، وبفضلها ترجمت الى العربية كتب كثيرة من اليونانية والفارسية ، وظهر مترجمون كبار مثل اسحاق بن حنين وابن المقفع وسالم الكاتب والطوسي والحسن بن سهل ويوحنا بن البطريق وغيرهم. فالترجمة اعتبرت حتى في ذلك الحين جزءا من عملية النهضة الحضارية . ولكننا نجد اليوم ان الترجمة أصبحت تحت رحمة أصحاب دور النشر أو بدعم بعض الأفراد المتحمسين لنقل الأدب العالمي الى اللغة العربية . زد على ذلك ان الترجمة الى الروسية غالبا ما تتم من لغة ثالثة وبالأخص من الفرنسية والانجليزية. وعندئذ يفقد النص الروسي الكثير من قيمته ولاسيما القيمة الأدبية والفنية. والان لا توجد في المكتبة العربية الأعمال الكاملة ( بالمفهوم الاكاديمي) لأي كاتب روسي او عالمي آخر. بينما نجد المكتبة الروسية عامرة بالأعمال الكاملة المترجمة لأعمال شكسبير وديكنز وفكتور هوجو وغوته وشيللر وابسن وغيرهم ، ناهيك عن ترجمة الموسوعة البريطانية والأميركية . كما اهتمت السلطات منذ العهد القيصري وفي العهد السوفيتي بترجمة معاني القرآن ( نشرت اول ترجمة في أيام بطرس الأكبر في عام 1716 وتوالى نشرها لاحقا، وتوجد منها حتى الوقت الحاضر 13 ترجمة ) وأعمال الكتاب العرب . فنشر كتاب "البخلاء" للجاحظ و"مقدمة " ابن خلدون و" الف ليلة وليلة " و" طوق الحمامة" لابن يزن و" سيرة عنترة" و" سيف بن ذي يزن. وفي القرن العشرين نشرت تراجم اعمال طه حسين وتوفيق الحكيم وخليل جبران ونجيب محفوظ وغائب طعمة فرمان ومحمد حسين هيكل ويوسف السباعي وحنا مينا وغيرهم الى اللغة الروسية.
لقد لعبت دور النشر الحكومية في العهد السوفيتي دورا هاما في ترجمة الكتب الروسية الى اللغة العربية . وقد تأسست لهذا الغرض في الخمسينات دور النشر "التقدم" و" مير" و"رادوغا". وعمل في البداية في الترجمة عدد من الكتاب العرب المعروفين مثل حسيب الكيالي وسامي الدروبي ومحمد المعصراني وغائب طعمة فرمان والياس شاهين. لكن الترجمة كانت تتم يومئذ من اللغتين الفرنسية والانجليزية لعدم معرفة هؤلاء الكتاب اللغة الروسية . وترجمت في الفترة الاولى عدة اعمال للكتاب والشعراء الروس الكبار مثل بوشكين وليرمنتوف وجوجول وليف تولستوي ودوستويفسكي. لكن هذا الوضع لم يستمر طويلا بسبب عودة الكتاب المترجمين الى اوطانهم . وفي اواسط الستينات ظهرت مجموعة من المترجمين الشباب الذين درسوا في الجامعات والمعاهد الروسية واتقنوا اللغة الروسية. وكان من بينهم جليل كمال الدين وابوبكر يوسف وخيري الضامن وحسب الشيخ جعفر وحياة شرارة وبرهان الخطيب وغيرهم . وقد ترجمت خلال الفترة حتى انهيار الاتحاد السوفيتي كتب كثيرة اغلبها للمؤلفين السوفيت المعاصرين ، لكن الادب الكلاسيكي الروسي نال نصيبه من الترجمة ايضا .
بيد ان دور النشر السوفيتية المذكورة اغلقت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لاعتماد القيادة الروسية ايديولوجية جديدة في مجال الثقافة بإخضاعها لاعتبارات السوق وتجارة الكتب. كما ان اتحاد الكتاب السوفيت انقسم في روسيا الى عدة منظمات تتبع تيارت ايديولوجية مختلفة وزال اهتمام الاتحاد بنشر الادب الروسي في الخارج.
ان الجاحظ اوضح في كتاب " الحيوان" شروط الترجمة واشار ضمنا الى ان الشعر لا يترجم وان المترجم يجب ان يكون بمستوى المؤلف من حيث المعرفة وان يتقن اللغتين العربية والاجنبية.علاوة على تمتع المترجم بتخصص في المادة المترجمة - الطب والفلك والرياضيات والفلسفة والادب. لكن غالبية مترجمي الادب الروسي الى العربية لا تتوفر فيهم هذه الشروط. و عندما قمت بجولة في اجنحة دور النشر العربية وجدت ان الأدب الروسي يحتل مكانة متواضعة فيها ، وغالبية التراجم تمت من لغة أخرى غير الروسية . بينما توجد كتب كثيرة لمؤلفين اوروبيين واميركيين صدرت بدعم مؤسسات في بلدانهم. اما الكتاب الروسي فلا يحظى بالدعم لدى ترجمته الى اللغات الاخرى من اية جهة رسمية روسية. وكما قلت فان العمل الادبي يفقد الكثير من قيمته لدى ترجمته من لغة ثالثة . ولكن لجأ البعض حتى الى "الترجمة بتصرف " كما فعل ابراهيم جلال لدى ترجمة ملحمة ليف تولستوي " الحرب والسلام" التي توجد لها عدة تراجم اخرى من غير الروسية. فقد اختزل المترجم احداث الرواية بشكل جعلها غير مترابطة وغير مفهومة. وانبجست هنا ايضا مشكلة التعاطي مع الاسماء الروسية فتحولت "ليسيا غورا" الى " ليسيا جوري " والقيصر بافل الى القيصر بول وماريا بولكونسكايا الى ماري بولكونسكايا وكنيسة القديسين بيوتر وبافل الى بيير وبول ويلينا الى هيلينا . وفي الحقيقة ان القارئ لهذه الترجمة يخلص الى استنتاج مؤداه ان تولستوي كاتب ردئ ولا يستحق الشهرة التي يتمتع بها . وقد نغفر للمترجم عدم معرفته الروسية لدى ترجمة الاسماء لكن هناك ايضا عبارات في الروسية تصعب ترجمتها الى العربية مثل كفاس وداتشا وجيغيد وديرجي موردا وهلمجرا. ان التعابير الروسية التي لا يمكن ترجمتها يجب ان ترفق بشروح لكي يعرف القارئ عم يدور الحديث. لكن المترجمين من لغة غير الروسية لا يعرفون اصلا معانيها.
ان الاطلاع على الأعمال الأدبية الروسية المنشورة في العالم العربية تولد الانطباع بأن الادب الروسي (الحقيقي) غير موجود في المكتبة العربية. ومما زاد الطين بلة ان المترجمين(الهواة ) ادلوا بدلوهم في تشويه الادب الروسي بالرغم من ان الترجمة تمت من اللغة الروسية . فكل طالب انهى دراسته في روسيا في معهد النفط والطب والزراعة مثلا يعتبر نفسه خبيرا باللغة الروسية ولهذا ظهرت على رفوف المكتبات العربية اعمال روسية مترجمة بأسلوب ركيك ليس كاسلوب سامي الدروبي الجميل الذي ابدع في ترجمة الاعمال الرئيسية لدوستويفسكي من الفرنسية. ناهيك عن عدم دقة تراجم (الهواة). والامر الآخر صدور الكتاب بترجمة اكثر من مترجم واحد مثل ترجمة " الدون الهادئ" لميخائيل شولوخوف بترجمة علي الشوك وامجد حسين وغانم حمدون من الانجليزية ( انهم طبعا اساتذة مجيدون في الترجمة من الانجليزية وليس من الروسية)او " الحرب والسلام" لليف تولستوي بترجمة سامي الدروبي ومترجمين آخرين. فالمعروف ان لكل مترجم اسلوبه ومفرداته اللغوية ولهذا يفقد النص عندئذ كثيرا من قيمته ورونقه.
واكتشفت في معرض الشارقة ظاهرة اعادة طبع منشورات " التقدم " و" رادوغا" مع الاحتفاظ باسم المترجم. وبالرغم من ان هذه الظاهرة غير معروفة على النطاق العالمي حيث تتوفر حماية حق الناشر، الا انها لحد ما تسد الثغرة في قلة الأعمال الأدبية الروسية المترجمة الى العربية. من جانب آخر لا توجد ترجمة أهم اعمال الكتاب الروس الكبار مثل الكسندر بوشكين (" يفغيني اونيغين " و" بوريس غودونوف " و" رحلة الى ارضروم" وغيرها) وميخائل ليرمنتوف ( "الجن")وليف تولستوي (الروايات واعماله الفلسفية ومسرحياته ويستحق هذا الكاتب الكبير ان تترجم كافة اعماله الى اللغة العربية).
علما ان القارئ العربي لا يعرف اعمال كثير من الكتاب المبدعين الروس المترجمة من اللغة الروسية ومنها اعمال سالتيكوف-شيدرين وغونتشاروف وتورجينيف(ترجمت بعض رواياته في دار" التقدم") وغوركي وبونين واندرييف والكسندر بلوك وماياكوفسكي ويسينين واسحاق بابل والكسي تولستوي واندريه بلاتونوف وميخائيل بولغلكوف وفكتور استافييف ويوري بونداريف والكسندر سولجينتسين(حائز على دائزة نوبل) . وتروج في الغرب الدعاية لبعض الكتاب والشعراء المهاجرين مثل يوسف برودسكي ( حائز على جائزة نوبل) ودولتوف وريباكوف او القاطنين في روسيا مثل اكونين ودميتري بيكوف وسوروكين بسبب مواقفهم السياسية المعارضة وليس بسبب القيمة الادبية لاعمالهم. ويلجأ البعض الى الكتابة عنهم في الصحف العربية . علما ان اثرهم في الساحة الادبية الروسية المعاصرة ضعيف . بينما يبرز بعض الكتاب المعاصرين الذين لا تترجم اعمالهم مثل الكسي ايفانوف وزخار (يفجيني) بريليبين.
صفوة القول ان القارئ العربي ما زال بعيدا عن التعرف على الادب الروسي كما هو في الواقع ، ويتطلب ذلك من المؤسسات المعنية الروسية وكذلك العربية ابداء الاهتمام بكنوز الابداع الروسي من اجل ان يكون لها دور في العملية الحضارية في العالم العربي ان كان لها وجود اصلا.
جميع التعليقات 1
د. خيرالله سعيد
العزيز عبدالله حبه : أن كتاب ( طوق الحمامة في الإلفة والالاف ) هـو لإبن حزم الأندلسي ، وليس لابن يزن - مع تحياتي