تتجه الأمور في فلسطين إلى مواجهة شاملة، توضحت ملامحها الأولى في ما يحدث في القدس، التي راهن الاحتلال على أنها العاصمة الموحدة الأبدية لإسرائيل، قبل انفجار الأحداث الأخيرة، وانتقال الحال إلى حرب دينية تحمل في ثناياها مشاعر الوطنية، ولن يكون مفاجئاً اندلاع انتفاضة جديدة ضد الاحتلال بكل مظاهره ونتائجه، وكل المتسببين في الحال الفلسطيني الانقسامي الراهن، وفي حال امتدت الأحداث إلى الضفة فإنها ستضعف مكانة السلطة لصالح حماس، فهي تجد نفسها في موقف مُحرج، فلا هي قادرة على الوقوف متفرجة على ما تقترفه إسرائيل بحق شعبها، ولا قادرة على ركوب موجة انتفاضة ثالثة، وهي تدرك أن هناك من يتآمر عليها من الفلسطينيين المتربصين للحظة ضعف تمر بها، وحماس ليست بعيدة عن هذا التفكير.
راهنت الصهيونية على أن الاستيطان في القدس، سيمنع إعادة تقسيمها وستظل موحدة، لكن النتائج لم تطابق هذا الرهان، حتى أن نتنياهو الذي رفع شعار محاربة كل من يفكر بتقسيم المدينة، يجد نفسه في مقدمة الذين يكرسون تقسيمها، ويمهدون بإرادة أو بدونها، إلى انسحاب من أحيائها العربية ربما من طرف واحد، فالعمليات التي ينفذها الفلسطينيون اليائسون من الجمود في مفاوضات السلام، تدفع الكثير من الإسرائيليين للسؤال لماذا نبقى هناك، ونتانياهو يجد نفسه مُجبراً على نشر قواته بكثافة في القدس الشرقية، لتبدو منطقة محتلة، ويقيم الحواجز بينها وبين الغربية، راسماً حدود الانفصال بينهما.
أكثر المتطرفين تشددا يجدون نفسهم مُجبرين على الاعتراف بحقيقة أن القدس ليست موحدة، والحديث عن وحدتها هو مجرد كذبة، أطلقتها حكوماتهم وأقنعت بها الجمهور خلافاً للواقع، فالقدس الشرقية اليوم لا تبدو أبداً كالغربية، ولا يوجد أي إسرائيلي تقريباً يزورها، وحتى قوات الشرطة لا تدخلها إلا محتمية بالخوذ وبقوات معززة، ويرون أن أفضل شيء وأهون الشرور هو في الانسحاب من هناك، حتى لو من جانب واحد، باعتبار أن هذه مصلحة إسرائيلية بحتة، وليس صحيحاً أن ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بالمزيد من القوة، بحسب نتنياهو ومعاونيه، ذلك أن المقدسيين لا يتأثرون بالتهديدات، حتى وإن بلغت الإجراءات القمعية ذروتها بهدم المنازل، وقطع المياه وفرض غرامات عالية، ولا حتى دوريات حرس الحدود التي تملأ شوارع المدينة، غير أن نتنياهو يركب رأسه مُعانداً، مُعلناً أن حكومته تخوض حرب القدس، باعتبارها العاصمة الموحدة والأبدية، ومُهدداً السلطة الفلسطينية، ومُحملاً محمود عباس مسؤولية التطورات الأخيرة.
هي حرب دينية إذاً، حيث أن الانشغال المكثف بالأقصى، وقتل يهود وقت تأديتهم الصلاة، يعتبر تصعيداً شديداً، يتأثر بالتطوّرات الإقليمية في العراق وسوريا، حيث أفلام الدواعش تنعش مشاعر التطرف الديني، وتستحضر من التاريخ أقسى ما فيه، بينما يواصل نتنياهو وضع العراقيل في طريق العملية السلمية، مع أن الكثيرين يحذرون من هذه السياسة، التي أثبتت فشلها في الحرب على غزة، وتثبت اليوم عدم نجاعتها في حرب القدس، ويطالبون بإيجاد مسار سياسي، منعاً للانزلاق إلى هاوية لا يعرف أحد قرارها، ولعل ذلك ما دفع أكبر مسؤول أمني للقول "إن البعد الديني لهذا الصراع أمر خطير، فعواقبه تطاول الفلسطينيين والمسلمين في العالم كله، ما يستدعي القيام بكل شيء لتهدئة الأوضاع".
القدس والانتفاضة الدينية
[post-views]
نشر في: 21 نوفمبر, 2014: 09:01 م