لم يكن قرار اعتقال القيادي الإسلامي الأردني زكي بني ارشيد مُبيتاً، ولا هو ضمن أجندة جديدة للتعامل مع هذه الجماعة، غير أن نشره مقالاً في هاجم فيه دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد زوّد العيار كثيراً، ضد دولة تحتضن ما يقارب ربع مليون أردني يعملون فيها، وتربطها علاقة حميمة مع عمان منذ عقود، تطابقت خلالها سياسات البلدين حيال القضايا القومية كافة ، كان فرصة ذهبية التقطتها عمان لتوجه رسائلها إلى عدة اتجاهات، أولها إلى الرجل الذي استفز مقاله مستويات القرار التي اعتادت غض النظر عن تصريحاته المتشنجة حيال المسائل الداخلية، والثانية إلى جماعته التي ظنت، وكان ظنها إثماً، أن الدولة الأردنية أضعف من التفكير بمواجهتها، أنهما ليسا فوق القانون والمصلحة الوطنية، والثالثة إلى القوى السياسية كافة بالالتزام بعدم تعريض العلاقات الإيجابية للأردن مع الدول الأخرى للتوتر، والأخيرة للدول العربية التي صنفت الإخوان كتنظيم إرهابي، بأن عدم قيام الأردن بخطوة مماثلة لا يعني الرضى عن سياسات الإخوان، بقدر ما هو موقف نابع من خصوصية الحالة الأردنية، وفي الظن أن بعض الرسائل وصلت وبعضها استقبل بآذان صمّاء وعيون حولاء.
تعرف السلطات الأردنية حق المعرفة وتحترم حق وحرية التعبير، لكنها قادرة على استيعاب أهداف ومرامي بني رشيد وهي تدمير العلاقة المتميزة مع الإمارات والسعودية ومصر، وترك الأردن مكشوف الظهر وبدون حلفاء أقوياء في الإقليم، إضافة إلى قطع المساعدات المالية والاقتصادية، وبديهي أنّ التغاضي عن ما كتبه بني رشيد كان سيضر بمصالح الأردن، إن تم تفسير صمته على غير حقيقته، في حين تدرك عمان أن حالة الصراع الداخلي في قيادة الإخوان كفيلة "بتكافي شرهم"، وعدم الانجرار إلى حالة من التأزيم والتوتر، سبق وأن سادت جرّاء اعتقال قيادات ونواب من الجماعة، صحيح أن العلاقات بين الدولة والإخوان ليست سمناً على عسل، لكن ذلك لا يعني أن الأردن بصدد حظر الجماعة، كما جرى في أكثر من قُطر.
جاء استفزاز القيادي الإخواني المثير للجدل، في مرحلة تتحالف فيها الأردن مع قوى عديدة محلية ودولية، في الحرب على الإرهاب والإسلام السياسي بكل تلاوينه، ابتداءً بداعش وليس انتهاءً بأي تنظيم يحمل ويروج للأفكار المتطرفة، وإذا كانت بعض الدول الخليجية اعتبرت الإخوان منظمة إرهابية، فإن الأردن نأت بنفسها باعتبار أنه ليس بين يديها ما يؤكد ضلوع إخوان الأردن بالإرهاب، وهنا فإن أمر الإجراء المتخذ بحق بني رشيد كان فرصة لتوجيه رسالة لتنظيمه، تطرح استفهاماً إن كان مقدمة لخطوات أخرى تطال الجماعة، التي لم تتحلى بالحكمة في التعامل مع الدولة الأردنية، وبرز ذلك بوضوح في الاتهامات القاسية والظالمة للنظام خلال حرب غزة الأخيرة، وموقفهم من المشاركة في الحرب على داعش، ولعلهم ظنوا أن الأردن أضعف من اتخاذ قرار يصمهم بالإرهاب، أو يستعديهم.
وبعد، هل يدفع موقف الإخوان من محاكمة بني رشيد، وقد اعتبروه شخصية وطنية مرموقة، وأن اعتقاله إساءة بالغة للوطن ومن شأنه تأزيم المواقف، الدولة الأردنية إلى تبني مقاربة مختلفة في التعامل معهم، خصوصاً وأن بعض عناصر الجماعة تورط بقضايا تمس أمن الدولة، في مرحلة لم يترك فيها الإخوان في مفاصل القرار من يتحمل وزر الدفاع عنهم، بعد تهديداتهم المبطنة وليس أقلها دعم داعش ومن هم على شاكلتها، فيما يبدو أن صقور الجماعة غافلون عن أن الأردن ليس كغيره، وأن عليهم وعي ذلك قبل أن تقع الفأس في الرأس، وساعتها لن ينفع الندم.
اعتقال بني رشيد رسالة فـي عدة اتجاهات
[post-views]
نشر في: 22 نوفمبر, 2014: 09:01 م