لقمان محمود كانت المرأة وما زالت تحتل مساحة واسعة من نتاجات الشعراء قديماً وحديثاً، وما زالت الدراسات النقدية تواكب هذه الظاهرة الأبدية بإهتمام بالغ، رغم إختلاف النساء، وتشابه الشعراء- أحيانا- في الجذور وفي الظلال.
و لعلنا في كتاب " المرأة في شعر فوزي الأتروشي" للباحثة سوزان كمال شمس الدين، نكتشف مدخلا آخر إلى منطقة القصيدة المنطوية على المرأة، وذلك من خلال مهمتها الأساسية التي تنهض بها. إذ أن لهذا الشعر قوته السرية في شكله العلني وهذا ما جعله يُخلد صورته الإنسانية المتناسخة كتابياً في شكله الأساسي المجرد كلما أصبحت آلية التأثير والتأثر متماسكة. ووفقا لذلك سنكتفي بالتأثير العام الذي يمنح قصيدته روابط نفسية وثقافية. إذ نلمس – بداية - تأثر فوزي الأتروشي الكبير بالشاعر عبد الله كوران، الذي كان من ضمن الشعراء الكرد المحدثين، والذين تناولوا المرأة موضوعا لأشعارهم، ومن خلالها دعوا إلى تحررها اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. وضمن هذه المناخات تسعى الباحثة إلى ترتيب فصول كتابها، الذي هو بالأصل دراسة أعدتها المؤلفة، ونالت بها درجة الماجستير في الأدب العربي من جامعة صلاح الدين باربيل. حيث يقع هذا الكتاب القيم في مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة. ونظرا لما تمثله الباحثة من مفاهيم أكاديمية نزيهة استطاعت وبنجاح استجلاء الصورة الحقيقية للمرأة الكردية في قصائد فوزي الأتروشي، دون تمييز أو مماحكة. فالكتاب غني بالآراء والأفكار المتعددة حول نظرة الشاعر للمرأة، كونها معادلا موضوعيا وشعوريا للوطن والأرض، وذلك بوصل الخاص بالعام، لإبراز الغاية الإنسانية في صورة المرأة العائدة إلى أصلها الإنساني. وفي ذلك تكمن أهمية موضوع المرأة – بالنسبة للباحثة – باعتبارها كياناً اجتماعيا، تحتل موقع النصف في اي مجتمع، كما أنها تؤثر على النصف الثاني كونها مسؤولة الأسرة والمؤثرة في الأبناء من الناحية التربوية، وهذا الموضوع يحتاج إلى تفعيل بصيرة ثاقبة، وذوق رفيع من الشاعر بالدرجة الأولى، بفضل ما يمتلكه من وسائل فنية، ومن إحساس وذوق وخيال وشاعرية. حيث انصرف الفصل الأول، إلى دراسة المرأة في رؤية فوزي الأتروشي الشعرية، وذلك من خلال مبحثين. ضم المبحث الأول قراءة أولية في صورة المرأة في الشعر، وفيه تشير الباحثة إلى نقطة أساسية ومهمة، تتجسد في أول جمعية نسوية في العراق، وهي " جمعية النهضة النسوية" التي تكونت عام 1924، برئاسة أسماء الزهاوي (أخت الشاعر جميل صدقي الزهاوي) الذي كان على رأس المفكرين الذين عملوا من أجل تحرير المرأة. و بصدد هذا الشاعر ودوره الكبير، نشير هنا إلى ما أثبته الواقع في كثير من أصقاع الأرض حينما قال: ليس يرقى الإنسان إلا إذا نالت رقيا إناثه والذكور. جاء هذا المبحث كعرض للواقع الذي عاشته المرأة في المراحل الزمنية المختلفة، وما عانته من صعوبات في حياتها من أجل تطوير مكانتها الاجتماعية للخلاص من القيود التي كبلتها ردحا طويلا من الزمن. في المبحث الثاني (المرأة ومواقف الشاعر ورؤاه)، تشير الباحثة إلى أن فوزي الأتروشي قد حاول من خلال الكثير من قصائده تجسيد واقع المرأة في بلداننا النامية بشكل عام والمرأة الكردية على وجه الخصوص. و تتمثل ذلك في قصيدة (إياكِ أن تنتحري) والتي تقول: إياكِ يا عزيزتي أن تنتحري إياكِ أن تختصري مساحة العمر بالدمع والدماء إياكِ أن تعتذري لحبيبٍ يجهل طعم الحب و طعم الاشتهاء إياكِ أن تنهمري على سرير النوم بثوب الحداد كل مساء. و إذا ما عدنا إلى هذه القصيدة لوجدنا رؤى الشاعر ومواقفه الإنسانية، تنم عن حرصٍ شديد، وصدق ٍ في المشاعر، بالإضافة إلى رصده للأحداث، وقدرته على تصوير الواقع والتعبير عن أخطر ظاهرة سلبية تهدد حياة النصف الجميل في المجتمع. في الفصل الثاني والمعنون بـ"المرأة والأرض والديار في شعر الأتروشي"، تسعى الباحثة إلى إضفاء نوع من التماهي بين المرأة والأرض في قصيدة فوزي الأتروشي. وضمن هذا السياق يبدو أن الشاعر قد تأثر بتلك الاستعارات المستخدمة في أشعار غيره من الشعراء، كبدر شاكر السياب ونزار قباني. في المثال الأول/السياب: عيناها في زمن العتمة في أربيل كوكبان للنور ينافسان المشتري وزحل بلاد النرجس كردستان موزعة على تضاريس جسمها وعلى دفاتر العشاق يضرب فيها المثل. في المثال الثاني/نزار قباني: فمها المدّور المفتوح كرمان كردستان قتل الجفاف وشق في الأرض للماء آلاف المناهل. أما الفصل الثالث، والمعنون ب "في جماليات الشعر"، فإن الباحثة سوزان كمال شمس الدين، تحاول إيجاد ظواهر عدّة لتعميق مستوى دراستها على النص الشعري عند فوزي الأتروشي. وبالإمكان قراءة هذا الفصل من خلال ظاهرة التكرار، ظاهرة التناص، ظاهرة الصورة الشعرية، وظاهرة الإيقاع. ففي ظاهرة التكرار في شعر فوزي الأتروشي نجد: تكرار الحرف. تكرار الكلمة. تكرار العبارة. أما ظاهرة التناص في شعر فوزي الأتروشي، فتتجلّى بوضوح في قصيدة (فستان أزرق)، حيث تشيع في هذه القصيدة ظلال قصيدة (المايوه الأزرق) لنزار قباني. وفي ذلك تقول الباحثة بالاستناد إلى
المرأة فـي شعر فوزي الأتروشي للباحثة سوزان كمال شمس الدين
نشر في: 12 ديسمبر, 2009: 03:37 م