فرحان عمران موسى فضاء العرض: وكيف يخاف الجهور.... طلقةً كاتمة..... أجيال ثلاثة ليس لها أوزار سوى حب الوطن لعل من اهم ما يتبناه الخطاب المسرحي منذ نشأتهِ الاولى على يد الاغريق، هو رسم الصورة الشعرية، فعملية البوح الصوري تستدعي أستيقاظا جماليا مستمدا من وعي الشاعر،
فقد يبدو مغلفا او مباشراً أو مستمدا من تحت جناح وعيهِ ليشف عن المسكوت عنهُ، وتتجلى بموضوعية في محراب الذاتية المتأملة. أن المتناول الشعري في المنجز الفني يرزح تحت زمنين، أحدهما:شفرة الغلاف الذهني للصورة الشعرية وتتبنى التعبيرات الوجدانية والثاني: يكمن في عملية خلق صورة آنية لحظية تمتلك سيلا من القناعات وهي بدورها توازي وجدان المعنى والميتا معنى المفترض.. أنها عملية أشبه بعصا موسى عليه السلام،تفترض من حالة شعورية الى عدة صور مبهرة تستفز ذائقية المتلقي لتحيلهُ عندها مسحوراً بوجدانية الكلمة الشعرية وسحرية القرين الجمالي المرئي وصولاً لتشكيل تجليات الخطاب المهيمن على وعي المتلقي. ان متوسط التلقي بين التراكم الصوري للشعر ومركب الصورة الممسرحه تستدعي شفرات وذرات غرائبية تنتزع دهشة اللحظة لدى المتلقي، كونهُ أمام بؤرة جمالية مركبة... الباث فيها مزدوج من صور وجدانية شعرية لبوح ذاتية الشاعر مسبقا والتركيب الصوري الجمالي للمشهد المسرحي، أنها أقصى حالات القصف الجمالي على ذات المتلقي،في الفرز والتحديد وصولا لحالة الإشباع الذهني، لان الدراما تصوير لفعل وليس تكريساً لصورة شعرية... والشعر تعبيراً يحمل في طياته بوحا ذاتيا ذا صور متخيلة مفتوحة الاحتمالات غير مجسدة، بمعنى آخر يقبع في أعلى هرم الدراما (الفعل الُمُجسد) وفي قمة هرم الشعر (البوح الذاتي). إن الاصطدام الجمالي بين القمتين في مسرحية ((جهاد جاسم)) يلزم التلقي بكل مستوياته وطاقاتهِ بتهجين زمنين للوقوف على معنى الخطاب المرئي، زمن الصورة الشعرية وزمن الصورة المسرحية واللتان تنصهران في لحظة المشاهدة. أستثمر المخرج المكتبة العليا العظيمة لخلفية الصالة وأستغل الكارزمه المهيمنة للمكان والتي تعكس مجمل الانطلوجيات وكشوفات الحضارة العراقية والانسان العراقي كتاريخ وأرث على مدى سبعة آلاف سنة، وكأنهُ يستفز المتلقي ليؤكد على أنتمائيتهِ ويواجهُ بحقيقة بأنك لاتنطلق من فراغ أو متأثر بمؤثر جانبي.... بل انت أمتداد لتراكم معرفي وفكري وتطور انساني لسبعة آلاف من السنين، من حوار الممثل: (جربوا ان تقرأو كتاب...) اذا ما اسلمنا بأن أول كلمة نزلت في الدين الاسلامي الحنيف... اقرأ...، وشكل السلمين الجانبيين التهاوي الذي سقط به تداعيات الوطن المعذب وأدى به الى مفارقات الحياة المتمثلة بالقتل والغربة والتجريد الانساني، والرؤية الجمالية شكلت كل الجرائم وهي تحمل فوق رأسها أرث العلم والمعرفة الانسانية المتمثلة بآلاف الكتب كرافد وشريان المعرفة للعالم أجمع من خلال حمل الشموع وتقديمها وهي نتاج الارث التاريخي للوطن، وايقاد الشموع أكد أهمية ان توقد شمعة وتتوضأ بماء الوطن هو تجل لمعنى الاستستقاء بالعلم وحب الوطن، وهذهِ الصورة ذكرها الشاعر ((مظفر النواب)) في احدى قصائدهِ وقد جسدها المخرج كفعل درامي مؤثر أعتمد الصورة الجمالية والفعل الدرامي دون نطق كلمات الشاعر نفسه. تحرك الخطاب المسرحي على مستويين: أفقي - عمودي، أفقيا على بؤرة مركزية شكلت أيقونتها مراحل أوجاع الوطن من: السجن - الاعتقال – المتمثل بالقيود الى مشهد تغطية قتلى الوطن الى حلبة الملاكمة والصراع السلطوي الى مشرب ومنفى..(وكأن الغربة ياقاتلي جربٌ في جلدي...)،وغيرها كأمكنة أفتراضية جسدت المحتوى الجمالي في توظيف القصيدة الشعرية... وأفقيا: أتخذ الخطاب مسيرة ثلاثة أجيال، الجيل الاعلى (الكهولة) (الممثل عبد الله النديم) والذي شرب حب الوطن من أركيلته الفكرية ولبس عشقهُ حتى أستقر الى أغتراب الروح وكناقل لأوجاع الماضي ليرمي بأثقاله على الجيل الثاني المتمثل بجيل الشباب والذي جسدهُ كل من ((جاسم محمد وعمر ضياء الدين))، وهم يسترجعون لذاكرة الوطن المعذب وما آل اليه من صراعٍ دموي وحُمِلَ بأثقالٍ وأوزارٍ أجترّت على أعمارهم بحيث تحجر لديهم الخمر الى كراتٍ زجاجية وأنسكبت كالدر المتحجر وكأفكارٍ بلورية بلورتها آلام السنين لتحكي قساوة الموقف حتى أستفاضت روحهم عُلبا معدنية فارغة صدعتها الأنظمة الموبوءة التي هيمنت كالغمام المتمثل (بالشريط الابيض) على الوطن وصحفٍ نقلت مواجع معيشتهم وأرتسمت عليها أخبار الجيل الذي سبقهُ وكعيون تاريخية تطل وتسجل الاحداث المؤلمة، حتى أفلوا ضحايا قتلٍ مبرمج ليرموا بأثقالهم الى الجيل الثالث المتمثل بالاطفال الذاهبين للكتاتيبِ صِغارى والمتأملين الرقي من خلال صعودهم (سلم المكتبة العليا) ونزولهم ليحملوا على أكتافهم أثقال وأوزار الجيل الذي سبقهم ليؤكد على ان الصراع مستمر جيلٌ يرمي بأعبائهِ على جيلٍ أخر. وفِق المخرج (جهاد جاسم) في أختيار فضاء العرض وبيئتهِ ضمن مفردتين: الانسان- الوطن، وصاغ قصيدته المسرحية لينافس مُخيلة الشاعر (مظفر النواب) كما أستطاع الممثلون خلق استفزاز جمالي من خلال بث الشفرات الدلالية المؤثرة في وجدانية المتلقي ضمن ألقائهم المحافظ على الايقاعا
تجلي الصورة الشعرية فـي خطاب (قراءة مسرحية لقصائد شعرية)
نشر في: 12 ديسمبر, 2009: 03:39 م