TOP

جريدة المدى > عام > فيروز في ربيعها السبعيني.. عندما يحتفل الأرز بشموخه

فيروز في ربيعها السبعيني.. عندما يحتفل الأرز بشموخه

نشر في: 23 نوفمبر, 2014: 09:01 م

ليس غريبا ان يكون مولدها في تاريخ الاستقلال نفسه، وان تحتفل بالسبعين ربيعاً، في الأيام التي يشهد فيه بلدها استقلاله الحقيقي، مثلما يتنادى مثقفو بلدها في أن يكون يوم مولدها عيدا وطنياً.فيروز التي كتبت أسماءنا على الحور العتيق لتبقى، مازالت بعمر الهو

ليس غريبا ان يكون مولدها في تاريخ الاستقلال نفسه، وان تحتفل بالسبعين ربيعاً، في الأيام التي يشهد فيه بلدها استقلاله الحقيقي، مثلما يتنادى مثقفو بلدها في أن يكون يوم مولدها عيدا وطنياً.
فيروز التي كتبت أسماءنا على الحور العتيق لتبقى، مازالت بعمر الهوى (زغيرة) ولم يخف عندها الشوق، ولم تهدأ العاطفة، ومازالت تتمنى ان تكون شجرة على مشارف الدنيا، وجيرانها غير السما وغير المدى.

 

فيروز التي صاغت تذكارات اكثر من جيل، (حافظة ذكرياتنا).. كلمتان لخصت بهما (ماجدة الرومي) تاريخ هذا الصوت الذي ما زال مستوطناً في نفوس مستمعيه في كل مكان.. صوت ذو أعماق تضرب في التاريخ، تجربة جمالية متكاملة، صوت مهذب له مذاقه الخاص.. قيضت له موسيقى تجمع بين البساطة والتناغم بأسلوب تخرج عنه الانغام من آلات، لا غرو في ان يكون صوت فيروز بينها. 

قبل فيروز كان الرحابنة هناك، يصوغون تجربة قيض لها ان تكون الأكثر فرادة في تاريخ الغناء العربي.. وعندما دخلتها فيروز اكتمل عقدها.. وربما انه مع تعاطي فيروز مع اكثر أسلوب لحني ولأكثر من ملحن، وعلى أهميتها فإنها مع الرحابنة كانت العنصر الذي يكتمل فيه جمال اللوحة، حيث الشعر النابض بالإحساس والخيال والموسيقى الشجية، ثم الصوت- صوت فيروز- المليء بالإحساس، بالموسيقى والكلمة.
فيروز- وهو اسم فني- ابنة عامل مطبعة لوجور في حي (زقاق البلاط) في بيروت، والمولودة عام 1935، لا مجال لان تسهب في سيرتها الشخصية كثيراً، ذلك ان قدر نهاد وديع حداد- وهو اسمها الحقيقي- ان تبدأ وهي في ربيعها الرابع عشر (عام 1949)، قد وضعها أمام أنظار احد أعلام الموسيقى اللبنانية آنذاك سليم فليفل الذي تكفل بان يوجهها توجيها موسيقيا في معهد الموسيقى، لتشهد عند ذاك انعطافة في تاريخها بلقائها بحليم الرومي الذي عمدها باسم فيروز، ثم الانعطافة الحاسمة بلقائها مع الرحابنة بشخص عاصي الرحباني، لتكون (عتاب) مفتاح شهرتها التي ما لبثت ان طبقت الآفاق، خلال سنوات قليلة. ومن الأغاني الراقصة التي وضع الرحابنة أساسها الراسخ، الى الاهتمام بالتراث العربي واللبناني بشكل خاص، والذي تجلى بإحياء الكثير من الموشحات وإعادة توزيع موسيقاها، ثم الحكايات الشعبية التي صيغ اغلبها بقالب درامي.. اتضحت ملامح الأغنية الفيروزية والرحابنة بفرادتها وتميزها.. تجديد مستمر في الصورة والإيقاع والتوافق الصوتي.. اكتملت في خضم تجارب موسيقية ولحنية تتسيد ساحة الغناء العربي من خلال أصوات عظيمة، ام كلثوم، عبد الوهاب، أسمهان، عبد الحليم، كارم محمود... وغيرهم.
ملامح يتجلى فيها الإيقاع السريع والتمرد على القوالب الشرقية المألوفة.. إيقاعات جاءت لتثبت خطل الرأي الشائع في قضية انفصال اللحن عن التوزيع بافتراض اكتمال الفكرة في ذهن الفنان لحناً، وصياغة، وتوزيعاً على الآلات بطريقة علمية وفنية.
صوت فيروز قلب التجربة الرحبانية، مثلما الرحابنة دليل هذا الصوت لارتياد الآفاق.. كان هذا الصوت محكاً لاختيار موهبة الرحابنة، كان الرحابنة التربة التي أينعت بها الثمرة الفيرزوية. 
مع تنوع الأساليب والصرعات، والظواهر في الموسيقى والغناء العربي، إلا أنها لم تستطع ان تنال من تألق صوت فيروز او ان تزيحه عن عرش الغناء.. ويكفي صوت فيروز، وعلى كثرة من لحن وكتب لها، انه اسهم في تخليد من كتب ومن لحن ولا غرابة في ان افضل الحان من لحن لها كان بصوتها مثلما كانت كلمات من كتب لها.. فقد وجدت الحان توفيق الباشا، فيلمون وهبة، وزكي ناصيف، ومدحت عاصم.. وغيرهم خلودها المرتجى بصوت فيروز، مثلما نالت قصائد سعيد عقل، وميشيل طراد، ونزار قباني، وبدوي الجبل، واحمد شوقي، وعمر ابو ريشة، وصلاح لبكي، وجبران خليل جبران، وايليا ابو ماضي، ومرسي جميل عزيز/ وشعراء قدماء أمثال ابن زريق البغدادي وابن جبير... شهرة ميزتها عن قصائدهم الاخرى.
اكثر من خمسين عاما ومازالت الأسماع تهفو لجديد فيروز، جديدها الذي لوهلة أثار حفيظة من ظنوا ان صوت فيروز يمكن ان يذعن لنمط او قالب معين، ولكن سرعان ما تصالحوا مع هذا الجديد الذي صاغت ملامحه موهبة سليل التجربة التي وظفت الموهبة الفيروزية زياد رحباني، هذا الذي طوع الصوت الفيروزي بما يتلاءم وفلسفته الموسيقية، التي هي ليست سوى إعادة إنتاج لعظمة التجربة الرحبانية، وهو ما جعل فيروز تشدو انها على (نفس المذهب ولو قدرتو زيدوا عليه).
ويكفي صوتها، انه جمع المجد من أطرافه، مثلما جمع معجبيها وعشاق هذا الصوت على اختلاف مشاربهم، هي التي لم تجد في سنوات حرب لبنان الأهلية إلا أن تشدو في (كازينو لبنان) في شرق بيروت وفي الوقت نفسه في (البيكاديلي) في غربها مرة اخرى علها تجمع غرماء الشعب الواحد الذين توزعوا بين شرق الوطن وغربه.
فيروز في ربيعها السبعيني تنظر الى الوراء بحنو وفخر، راسخة مثل سنديانة عتيقة، شامخة مثل أرز لبنان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram