لطفية الدليمي(الشعراء أساتذة الأمل) ومن غير الشعراء يؤسس للمستقبل ويعلي من شأن الحياة؟؟ الشعراء معلمو الفرح و جان جيونو واحد من قبيلة عشاق الحياة،شاعر وروائي وسينمائي , كاتب الفرح والمبشر بيوتوبيا أرضية تتلخص في تآخي البشر مع الكائنات الحية و الأنهار والسحب،
واكتفائهم بالفرح ثيمة تتردد بتنويعات لا نهاية لها في حياتهم المعزولة عن الحروب والسياسة ومعطيات الحضارة المعاصرة.. جان جيونو هذا الرؤيوي – الواقعي المحتفي بالحياة ومتعها وكائنات الطبيعة وأسرارها هو أستاذ للأمل بلا منازع، فمن أجل ان ينضم الكاتب او الشاعر الى نخبة الذين يجددون الحياة ويعيدون صياغة الفرح عليه ان يعلم الآخرين تقنيات الأمل ليـزج بهم في نهر الحياة.. نقع في أعمال جان جيونو القصصية والروائية على مجموعة من الثيمات الأساسية التي تشكل شبكة العلاقات بين البشر والقيم الإنسانية وبينهم وبين الطبيعة: وهي ثيمات الإحتفاء بالعمر الطويل للإنسان الفاعل المبتهج و الغياب الكامل للأنانية و الكرم الفريد اللا محدود دون مقابل و التأثير الإيجابي واللامرئي للطبيعة. ونستشف طبائع شخوصه وسجاياهم وجوهر إبداعه وتوجهاته من عناوين بعض رواياته: أنشودة الكون،زارع الأشجار،الخير الوفير،النفوس القوية، وتبقى روايته الأهم (ليبق فرحي دائما) رائعته الغنية بطروحاته الفلسفية ورؤيته الإحيائية للعالم ونظرته المؤسسة على التسامح والفهم العميق بين الكائنات.. منذ سنوات قرأت هذه الرواية و اكتشفت فيه أحد أساتذة الحياة الذين يعملون على شفاء الروح الإنسانية وترميمها بإبداعهم الحيوي وتأشيرهم لمكامن الجمال الذي يبقى لدى جيونو غير خاضع للتقويمات العامة بل انه يرى الجمال مرادفا للحياة والحب والعمل والصدق، ويتوقف اكتشافنا لتجليات الجمال على زاوية نظرتنا للعالم وأنفسنا فيه دون محددات مسبقة.. زرت مع ابني منطقة لوبيرون الساحرة في إقليم البروفانس صيف 2008، قصدنا مدينة مانوسك التي عاش فيها جيونو حتى رحيله سنة 1970،و تجولت في منزل جان جيونو،الذي تحول إلى مركز جان جيونو الثقافي وهو بيت روائي بامتياز، إذ طليت جدرانه الخارجية بلون السهول المحصودة،لون أصفر يكاد يكون ذهبيا بينما صبغت الأبواب ودريئات النوافذ باللون الأزرق المائل الى الفجر والبحر، لونان جمعا بين سماء البروفانس والهضاب المذهبة بانطباعية بهيجة.. و على منضدة كتابته لا تزال أقلامه تشع بالحياة بألوانها الوردية الصاخبة وثمة إناء من الفخار تكدست فيه، غلايين الكاتب المنحوتة من الحجر و الأخشاب العطرة الثمينة وفي غرفة مكتبته الواسعة صور ومنحوتات لديكة وطيور ووعول وغزلان وثمة خرائط ومخططات ومسودات كتبت بالحبر الأسود،شممت وأنا اتجول في مكتبه عبق التبغ المخمر بالأعشاب الشذية الذي وصفه في روايته الرائعة، وفي برهة انسحار رأيت (بوبي) شخصيته الروائية الفاتنة يلوح للزوار من وراء الزجاج، بوبي الرجل الغريب الذي كان يجلب الأغاني والعشق والوعول والعصافير الى القرية الجبلية الساكنة، فتنقلب حياة القرية الى مرح ومواسم أعياد وغراميات، قدومه أشبه بعاصفة من المباهج والإثارة ومعه تنتعش روح القرية المعزولة وتقوم من سباتها، وهي القرية ينصرف أهلها الى إنتاج غلالهم بشكل جماعي ما يوفر لهم فائضا من الوقت يشغلون بعضه في زراعة الزهور والعناية بطيور السهول، فيقترح عليهم بوبي الغريب مساعدة الوعول الجبلية على التكاثر وتجنيبها مخاطرة الهلاك وهي تنحدرعلى المنحدرات الصخرية مفتونة بضوع مسك الإناث - وتدق أعناقها، فيقوم بوبي ومجموعة من الشباب باقتياد ذكور الوعول ومساعدتها للوصول الى إناثها في موسم التزاوج،غير ان الإناث تتوقف عن إفراز المسك عندما تدخل الإنسان في توجيه حياتها وأصيب الذكور بتبلد الرغبة فأعيدت الوعول الى الأعالي لتقول للبشر أن سبل الحب قد تفضي إلى التهلكة، إنما لابد من المجازفة فالحب والفرح جديران بالمخاطرة.. وعند كل سفح في منطقة لوبيرون وفي كل حقل من حقول اللافاندر العطرة،كنت أرتطم بروح جيونو تقودني الى كروم العنب والزيتون وأكواخ الرعاة وغابة الجوز العتيقة،وتعرفني إلى معان جديدة في الوجود.. كم نحن بحاجة الى كتاب وشعراء على شاكلة جيونو لينسجوا لحياتنا غلائل من حرير الأمل ويقشروا عنا حراشف الأحزان ويلمسوا جراحنا بوردة و ضوء..
فـي بيـت الكاتـب جان جيونو
نشر في: 12 ديسمبر, 2009: 03:40 م