مراجعة دائرة التقاعد والحصول على الراتب الشهري مهمة شاقة، يرى فيها المراجع نجوم الظهر ولحين الحصول على البطاقة الذكية، يكون قد استنزف كل قواه برحلة ماراثونية روتينية في زمن اعلان اعتماد الحكومة الالكترونية ،بحسب تصريحات مسؤولين لطالما اكدوا حرصهم على تذليل جميع العقبات للموظفين المدنيين المحالين الى التقاعد ، تقديرا لجهودهم في خدمة الدولة العراقية على مدى اكثر من ثلاثين عاما.
ضباط الجيش السابق لهم رحلة طويلة اخرى للحصول على رواتبهم التقاعدية، تبدأ من مراجعة هيئة المساءلة والعدالة المختصة باجراءات اجتثاث حزب البعث، ثم دائرة المحاربين التابعة لوزارة الدفاع للتاكد من انتساب صاحب الطلب الى وحدات الجيش ، ورتبته وخدمته ويستغرق انجاز المعاملة اكثر من عام كامل ، ليمنح بعد ذلك هوية المتقاعدين ليتسلم راتبه من احد المصارف الحكومية ، وما يتقاضاه لايساوي ربع راتب من يحمل رتبته العسكرية في الجيش الحالي، ولذلك نزل الكثير من الضباط المتقاعدين الى الاسواق المحلية لمزاولة بيع الفواكه والخضراوات واللحوم والالبان والاعشاب الطبية، لعلها تمنحهم مصدرا ماليا يضاف لمداخيلهم الشهرية لتدني رواتبهم التقاعدية العاجزة عن تلبية متطلبات المعيشة وتغطية نفقات اسرهم.
في سوق حي البياع الشعبية رجل تجاوز الستين يقف امام "بسطية" مرتديا دشداشة كالحة اللون لبيع الالبان ، يعاني مرض السكري، بعد ابعاده من الخدمة ظل لسنوات يراجع وزارة الدفاع وفي نهاية العام 2009 حصل على الراتب التقاعدي ومقداره 350 الف دينار، وعلى الرغم من ذلك لايشعر بادنى حرج من وقوفه ساعات طويلة في السوق، فهو اسدل الستار على الماضي ، وحياته العسكرية السابقة، لشعوره بان متطلبات المعيشة تفرض عليه العمل لاعالة اسرة كبيرة ، نفقاتها تتجاوز اكثر من مليون دينار في الشهر الواحد موزعة بين اجور نقل البنات الى مدارسهن ودفع ثمن الاشتراك للحصول على التيار الكهربائي ، وبطاقات شحن الهواتف ، ومراجعة الاطباء ، وشراء الادوية .
المقدم المتقاعد اكتسب تسمية "آمر فوج الالبان" وحين يسمعها من الباعة ، يعطي لها" الاذن الطرشة " ويصب جام غضبه على من وقف وراء قرار حل الجيش العراقي السابق ، ويبدي اسفه الشديد لفشله في الحصول على تزكية من احد الاحزاب المشاركة في الحكومة تعيده الى الخدمة ، ليؤدي واجبه في الدفاع عن العراق ومحاربة الارهاب .
هذا النموذج من الضباط المتقاعدين وغيره تلاحقهم تهم كثيرة ليس بامكانهم التخلص من تبعاتها ونتائجها، فهم بنظر بعض القوى السياسية ادوات جاهزة لتنفيذ انقلابات عسكرية والاطاحة بالنظام الديمقراطي ، ولديهم الاستعداد للتحالف مع الشياطين لاستعادة مجدهم العسكري السابق ، وسجلاتهم تحتفظ بارتكابهم جرائم ابادة جماعية، وعلى الرغم من كل ذلك منحتهم "الحكومة الرحومة" رواتب تقاعدية، لاعالة اسرهم انطلاقا من الايمان بحقوق الانسان ، والمصالحة الوطنية ، ومتطلبات المرحلة الانتقالية من الديكتاتورية الى النظام الديمقراطي المرعوب من آمر فوج الالبان المقدم المتقاعد صاحب البسطية بسوق البياع.
آمر فوج الألبان
[post-views]
نشر في: 23 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو اثير
هؤلاء المواطنين هم خيرة الشعب العراقي لأنهم دافعوا عن كرامة وشرف العراقيين طيلة سنين كثيرة من طيش وأوهام الحقبة الدكتاتورية لسنوات عدة وسياسته الرعناء ولم يدر في خلدهم بيع العراق أو سلاح الجيش السابق في أحلك الظروف الصعبة التي مرت عليهم وكانوا في عين الشع