TOP

جريدة المدى > عام > المثقف والسلطة

المثقف والسلطة

نشر في: 24 نوفمبر, 2014: 09:01 م

لاشك أن ثنائية المثقف والسلطة ثنائية شائعة في أوساط المثقفين، ليس في هذا البلد فحسب بل في العالم والوطن العربي ايضا , لذا ينبغي للمثقف عندنا الخوض في الجوانب المتعددة لها , حيث تعتبر من الأطروحات الحيوية والمؤثرة في حياتنا اليومية. ولا يأخذنا الظن ان

لاشك أن ثنائية المثقف والسلطة ثنائية شائعة في أوساط المثقفين، ليس في هذا البلد فحسب بل في العالم والوطن العربي ايضا , لذا ينبغي للمثقف عندنا الخوض في الجوانب المتعددة لها , حيث تعتبر من الأطروحات الحيوية والمؤثرة في حياتنا اليومية. ولا يأخذنا الظن انها من الموضوعات التي كثـر الحديث فيها , بل أرى أن هذا الاعتقاد وهذا التصور لا يصدران الاّ عن تفكير متبطر او لا مبال بما يحصل في وسطنا الثقافي , الذي ازداد فيه دعاة رفض السلطة والدعوة لعدم التعاون معها , مهما كان شكلها او طبيعتها السياسية ونوع الحكم الذي تصدر عنه , بالقدر نفسه الذي تكاثر فيه دعاة التصفيق لأية سلطه تأتي وهي محمّلة بالمزيد من الوعود والعهود ( قد يكون بعضها كاذبا , ان لم يكن اغلبها كذلك ) , وعليه فإني أرى أن العديد من الكتاب العرب قد اشبعوا هذه الجدلية نقاشا وتمحيصا ولا مفر لنا الا بالخوض في زواياها المختلفة , خلاف المثقف العراقي الذي كان يحرّم عليه الخوض في موضوعات تمس الجانب السياسي من الحكم او من حياة الناس اي الموضوعات التي تحرض على الوقوف ضد السلطة او كشف عورتها.. 
لذا أعتقد أن ثنائية المثقف وعلاقته بالسلطة التنفيذية , ثنائية ازلية , أي انها نشأت منذ اول قصيدة كتبها الانسان على جدران الكهوف واول حكاية او رواية تدعو للحب والخير والجمال وفرّق من خلالها بين من يحمل تطلعات إيجابية وإنسانية عالية القيمة تزكية لحياة ينعم فيها الانسان بالسلام والطمأنينة والعدالة الاجتماعية وبين من يريد الاستيلاء على كل شيء يدور من حوله ليصبح بهذه الملكية سيد الجميع بما فيهم الكاتب الذي تبدأ رؤاه تتشكل من خلال سيطرة من يريد الاستيلاء على ملكية الجميع بما فيها امكانية التعبير الحر لمن يحسن التعبير عما يجري امام عينيه , وأحسب أن لحظة الافتراق مع الحاكم المتسلط تبدأ من أول اعتراض للكاتب والمثقف على ما يتمتع به صاحب الملكية المطلقة من امتيازات استثنائية قد لا يمتلك المرء تصورا واقعيا لها وتسيد الحاكم على الناس وبين ما يدعو اليه صاحب الكتابة من سيادة للعدالة بتوزيع الثروات بين الناس وبين مالك كل شيء يدب على الارض , وأحسب أيضا أن مسؤولية الكاتب تتحدد من احساسه البسيط والعقلاني بضرورة أن يكون للذي يكتبه دور فاعل في حركة المجتمع الذي ينظر الى الكاتب والشاعر والقاص كنماذج متحررة من هيمنة السلطة او على الاقل هؤلاء هم من لديهم الحجة لمقارعة الظلم الذي يقع على من لا يملك وسيلة الدفاع عن حقوقه وآماله في عيش حياة معقولة وممكنة للجميع .. ولا اعتقد أني ابتعد عن جوهر هذه الثنائية , حين ادعو المثقف أن يدلو بدلوه في مسألة من هذا النوع لأني اعتقد ايضا أن هذا الموضوع من الموضوعات التي تمس حياة الكاتب تحديدا . إن وجوده في بقعة معينة من العالم مع وجود حاكم يحكم البلاد يتحتم على الكاتب أن يقرر ماذا يريد من حكومة بلاده اوماهو موقفه من نهجها السياسي الذي تتبعه كدليل عمل , وعليه اجد الاّ مفر للكاتب الاّ أن يكون لديه الموقف الواضح والصريح تجاه السلطة او حاكم البلاد . وليس صحيحا أن يعتقد الكاتب او المثقف عموما انه بعيد عن شرور السلطة اوأنها لاتعطي للكتابة وللكاتب والمثقف أية أهمية في سير سياستها تجاه الاشياء والحركات وما تتمخض عن حركة الواقع اليومي . فالكاتب والمثقف ومن يشتغل في الفن عموما هم اشخاص فاعلون في تطوير حركة مجتمعهم نحو الافضل , اي نحو العلم واكتساب المعرفة وتحديد مسارات التطور المدني الذي يسعى اليه المبدعون الجادون في ذلك البلد خصوصا اذا كان يعاني اهمالا مقصودا من قبل السلطة الحاكمة لذا تطمح السلطة او الحكومة والحاكم ان يدجنوا اولئك المبدعين لصالحها اي لصالح افعال الحكومة والحاكم في البلاد وقد تكون مغايرة للمصلحة العامة للبلد .. والكتابة من حيث هي معطىً انساني يحظى باحترام وتقديس العاملين في مجال الفكر والفن والادب .
وتمنح الكتابة لمن يمارسها الشعور الكافي بمسؤوليته ومقدرة في دفاعه عن قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتخضع هذه المفاهيم للتطور المستمر عادة حسب الوقت والمكان والحالة , وكذلك طبيعة نظام الحكم في ذلك البلد الذي تجري فيه تغيّرات وتطورات اجتماعية وسياسية كالانتخابات العامة وعمليات تسلم السلطة بطرق سلمية حضارية او سن قوانين جديدة تخدم بالضرورة الحياة اليومية للمواطن البسيط على مستوى التربيه والصحة وبقية الخدمات , وبالقدر الذي يتمتع فيه المثقف والكاتب ( الذي يعي دوره) بقسط وافر من الشعور بتلك الحرية وخصوصا حرية التعبير فإن عليه ممارستها او اعلان الدفاع عنها ولو على قدر من القناعة التي يمكن لها أن تمثل نزوعه نحو امتلاك فرصته الضائعة وبقدر اهتمامه بوسائله التعبيرية وتطويرها عليه أن يدافع عنها ايضا ويحسن امتلاكها وذلك من خلال زيادة وعيه بالاشياء المحيطة به , فلا مجال لديه للاستهانة بثقافته وثقافة مجتمعه , فالثقافة في مفهومها العام هي ادراك الحقوق العامة وتحديد دور صانعها ( اي الكاتب والمثقف ) في حركة مجتمعه , وفي سياق تعليقه على كتاب ـــــ جدلية العلاقة بين المثقف والسلطة ــــ لمؤلفه الاستاذ عبد الحسين صالح يحدد الدكتور نبيل الحيدري اهمية الثقافه كظاهرة حيويه ومؤثرة في سير حياة الشعوب , قوله : ((تبرز اهمية الثقافة أيا كان مصدرها , بأهمية التواصل الثقافي , الذي يعزز نمو الثقافة وتطورها وتجددها من خلال تبادل الافكار وتشجيع الابداع فاتساع عالم الثقافة يعني اتساع عالم الحرية واشاعة مفاهيم الديمقراطيه التي تمجد الانسان , فالثقافة وعي يربط الانسان بوطنه وبأمته وبمجتمعه )) ويخشى الحاكم من بسالة عدد معين من المبدعين الكبار الذين يولون العملية الكتابية اعتبارا خاصا ويدافعون عنها باهتمام خاص وهذا النوع من الكتّاب الذين تحسب له السلطة حسابا , ترتبط لديه الكتابة بالمفهوم الكلي لمعنى المسؤولية والحرية والديمقراطية ولا يمكن التفريط بأي منهما وعلى الفنان /الكاتب ان يعي ان ثنائية المثقف والسلطة لايمكن ان تزول او تختفي من الوجود بل هي مستمرة في تواجدها وتفاعلها اليومي والعام ويمكن للسلطة استغلال تلك الأطروحة كلما حانت الفرصة لتضرب بها المثقف الحر ذا الاحساس العالي بالمسؤولية الأخلاقية حالما تجد الوقت مناسبا لضربه , اي في اللحظة التي تضع يدها على مجموعة من ذرائع وتبريرات واتهامات لإنهاء سلطة المثقف وزعزعة قناعاته الفكرية والسياسية فإنها لن تتوانى في ترسيخ ذلك والتشهير به .. ومن هذا نجد أن الخلاف بين المثقف والسلطة ليس بالصراع بالمرتجل او القدري بل ينتسب الى صراع الوجود وتعزيز مكانة القيم والمفاهيم الانسانية ضد النزعة السلطوية للحاكم وتابعيه , ولغرض توضيح الفهم الخاص بالكاتب او المثقف بصورة تخدم الطرح الذي بين ايدينا الآن , يحدد الدكتور عدنان عويد مفهوم المثقف بقوله : (( إن المثقف من الناحيتين المنهجية والوظيفية هو من امتلك وعيا اجتماعيا وسياسيا ومهارات ابداعية خلاقه, وقدرة على توظيفها في المجتمع وقضاياه تحليلا وبناء .. )) وعلى ضوء توظيف المهارات الإبداعية لصالح المجتمع وتبني طموحه في الحياة الحرة الكريمة , أشار سارتر الى ضرورة الالتزام الحر للمثقف والكاتب وان يتوفر في ذلك الالتزام قدر من المسؤولية تجاه الناس الذين هم بحاجه لمؤازرة المثقف الواعي لدوره في حراك مجتمعه وهذا يعني الأخذ بكل الطروحات التي يتبناها قادة الفكر الحر من ديمقراطيين وتنويريين ودعاة عدالة اجتماعية من مفكرين وادباء وقضاة وكذلك من هم يشتغلون في تزكية العلوم الانسانية التي ترتكز معظم افكارها الى التقدم الاجتماعي واحترام الانجازات العلمية والابتكارات في المجالات كافه .... ولا يعتقد المثقف أن سلطته الذاتية هي أقل من مستوى الصراع , بل أن ازدياد حدة الوعي لديه واصراره على اتخاذ مواقف انسانية وسياسية تترجم التزامه الحر تجاه الناس هي التي تفرز ذلك الاحساس بالمسؤولية إزاء عديد القضايا الحساسة والتي قد تفرض عليه موقفا جادا قد يتطلب نقدا صريحا لمؤسسات السلطة السياسية والاجتماعية .ويصبح والحالة هذه لزاما علية الامتثال لوعيه تجاه ما يجري ويحصل في بلده من تغيّرات مفاجئة ومحتملة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram