مغادرٌ سرير اللغة بينما يفرك بقية النعاس، نعاس الكلام، مستيقظٌ في الشرفة المفتوحة باحثاً، بعيداً عن فنجان القهوة الذي بدأ يبرد، عن "وحدة الموضوع".
أي "وحدة موضوع" يا صاح؟
نحن ننقسم والحال تتشظى وأنا، نفسي، أتناقض وأتحول أقاليم متناحرة ونهراً يركض باحثاً عن قطرة ماء.
سألتها: ما هي الدرجة الحرارية للقبلة بمقياس الفهرنهايت؟
ضحكت ولم تجب.
سألت نفسي: هل عليك أن تتخلى عن خيالك لتكون واقعياً؟
أما هي فأجابتني في اليوم التالي: قبلني ولا تتفلسف!
بينما كنت أبحث في "وحدة الموضوع".
لم تكن وحدة الموضوع سوى ما نحاول ربطه بأجزاء الموضوع المتشظي أصلاً: العراق مثلاً.
القصيدة التي تبدأ باستهلال ثم متن ثم خاتمة مثل قصة كلاسيكية.
جسد امرأة: يلمه الرجل من أقصى خصلة في قارتها البعيدة حتى أصغر إصبغ في رجلها الثملة لأن الرجل شاعر وضع رجلها في دورق نبيذ أحمر وبدأ يرتشف إصبعاً إصبعاً.
وحدة الموضوع هي ما ينفصل لا ما يتحد.
أحيانا، وأنا أكتب، يقف شخص ما عند نهاية كل سطر ليصرخ في وجهي: لم أفهم!
ثم يستطرد: أين "وحدة الموضوع"؟
في الفن والأدب يتعقد الأمر أكثر: ".. العمل الفني، في المخيال الفردي أو العمومي، يعيش من تعدد التفاسير الممكنة، ومن الأحكام المدققة، المتناقضة أحياناً أو المتغيرة، التي يستثيرها" – (ما الجمالية؟ تاليف مارك جيمينيز، ترجمة د. شربل داغر).
حسناً، لم يزل السؤال قائماً وفي بطنه سؤال صغير: من قال إن الترجمة دقيقة، رغم أنني أعرف أن المترجم ممتاز؟
السؤال: هل يتشابه المخيال الفردي والعمومي بشأن العمل الفني؟
سؤال موجه للباحث: المخيال الفردي والعمومي (هل يقصد الجمعي؟) قد يتقاطعان في صورة ما، لكنهما لا يتفقان في تعدد "التفاسير الممكنة" لأن التعدد نتاج الفردي لا العمومي (إذا كان يقصد الجمعي) حيث العمومي يميل إلى الواحدية.. واحدية التفسير والتأويل.
هكذا يبدو الكلام في "وحدة الموضوع" مثل الجمعي والفردي: لا وحدة في الموضوع.
القبلة وحدة موضوع تامة: نص متقن وليد كل الشتات الجسدي والعاطفي عبر تاريخ اللوعة والشوق والانتظار واللهفة والقلق.. لكنها لا تستقيم بالقفز على معطيات واقعية، بالضرورة، لأنها ذروة خيال خاص لا يجيده غير عاشق خاص.
في السياسة، أيضاً، لا وجود لـ "وحدة موضوع" إذ لكل لحظة موضوعها، فاللحظة العراقية لحظتان أو أكثر: الوطن مهدد وعلينا الدفاع عن الوطن. صدام حسين دعانا، أيضاً، للدفاع عن الوطن!
تحت أية راية ندافع عن الوطن؟
أنا الذي أسأل عن "وحدة الموضوع" في السياسة والوطن والشعر والقبلة.. هل يمكنني أن أسأل عن معنى الراية؟
أنا، ومن يشبهونني، مطروداً من وطني منذ أكثر ربع قرن ولم أزل.، كيف أتوسل وطني لأدافع عنه؟
ألم أقل لكم: ليس ثمة "وحدة موضوع".. هل أهذي؟
تقتضي مني "وحدة الموضوع" أن أدافع عن وطني لأنه يتعرض للخطر.. لكن وطني لم يدافع عني عندما تعرضت للخطر.. الوطن، نفسه، مصدر خطر على المواطن.
أين "وحدة الموضوع"؟ بين العمل الفني والقبلة والوطن؟
كل واحد يرى "الموضوع" من وجهة نظره كما تقول المبادئ الأولية في الدراما.
دخل الزوج بعد منتصف الليل إلى بيته ليفاجأ برجل غريب مع زوجته في غرفة النوم فسأل والغضب شرار في كل جسده: من هذا يا ......؟ أجابت الزوجة بسؤال هادئ: لماذا تأخرت حتى هذا الوقت؟ أعاد الزوج سؤاله بصوت أعلى غضباً: قلت ماهذا الذي تفعلانه؟ أجابت الزوجة بهدوء: رجاء لا تغير "الموضوع"؟
هل نغير "الموضوع"؟
وحدة الموضوع!
[post-views]
نشر في: 24 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
يحيى السماوي
شاعر حتى في سردك أيها الأصيل كـ الطين الحرّي .
kais latif
رائع ومُبدع دائماً العزيز عواد ناصر .