اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحب من طهران الى البصرة

الحب من طهران الى البصرة

نشر في: 25 نوفمبر, 2014: 09:01 م

لا يبدو لي أننا شعب يعرف الحب جيداً !! ولا أقصد أننا نكره بعضنا أو نكره الآخرين، لكننا وبرأيي المتواضع لم نتعلم بعد ثقافة الحب التي منها التسامح والصفح والعفو وإثراء نفوس الذين يشتركون معنا بالود واللطف، لا بل نحن لم نتعلم كيفية إدخال السرور والفرح على قلوب احد من غير اهلينا، وما ذلك بالمطلق، لكنه ثقافة لم نحاول تعلمها. وهذا درس فُرض علينا من خارج أرواحنا، وتقبلناه على أنه جزء من منظومة حماية انفسنا من مكاره ما يحيط بها، بفعل ثقافة الحرب والتصدي التي وجدنا انفسنا فيها على مدى عقود من التسلط والدكتاتورية ومن ثم الحرب مع القاعدة والمليشيات والقضاء الجائر.
تحت تأثير الأفكار هذه وقفت أتأمل مشهد استقبال العديد من الزوجات والآباء والأولاد لذويهم وأصدقائهم في مطار مهر آباد بطهران وهم يحملون باقات الورد، وبمثل هذه كنت أنظرُ للمنتظرين في مطار يرفان بأرمينا وربما بيروت وسواهما من مطارات العالم. وهنا أقول: لا تعرف الانسانية لغة أصدق تعبيراً عن الود والحب والشوق من الورد. وفي اللحظات تلك كنت أسأل نفسي لماذا لم نتعلم من شعوب العالم اللغة العظيمة هذه !! فتجيبني يدي التي لم تفارقها البندقية منذ اكثر من أربعة عقود، قائلةً: أنت تحلم، حاملو الورد والزهور هم نتاج مجتمع متسامح، لم تتلوث أنفاسهم بالبارود، انظر في ما حولك، هلّا وجدت وردة في حديقة منزلك، هلّا وجدتها في حديقة عامة، أنظر إلى أسماء الشوارع والمدراس وألوان المنازل والمحال والمباني، وأمعن النظر في جوه بني بشرك، أقرأ عناوين الصحف الرئيسية، او قف متأملا واجهة مبنى حكومياً ... ماذا ترى؟ هل بين هذه كلها شيء مما يشي برائحة الورد او يدنو قليلا من معاني الحب والزهر؟
سألت سائق التاكسي في عبادان عن مظاهر العاشوراء التي لم أرها كما هي في البصرة، فقد اختفت البيارق الملونة واليافطات السود وثياب الحزن فقال: الحكومة تسمح بوجود المواكب في الشوارع والارصفة يومي التاسع والعاشر من المحرم فقط، ثم تذهب الناس إلى اعمالها وينتهي الأمر، العمل وحب الحياة والاصرار على البناء درس تعلمناه من الامام الشهيد. وحين وصلت طهران كانت المظاهر البسيطة هذه قد اختفت تماما، اللهم إلا من يافطة صغيرة معلقة في باب مسجد أو على منزل تكاسل صاحبه عن رفعها. كانت الحياة تندفع بالإيرانيين بشكل لا يصدق، لكني حين وصلت يرفان رأيت الناس يحتفلون بالحياة على طريقتهم الأخرى وقد قربت الاحتفالات بأعياد الميلاد لتتحول المدينة الصغيرة ذات المليون ونصف إنسان إلى شجرة خضراء كبيرة وكراتٍ حمرٍ لا تحصى.
في العاصمة الأرمينية أوصاني صديقي الذي زار المدينة من قبل، أن أتجاوز النظر في وجوه النسوة الجميلات، وأن أتأمل واجهة متجر أو بلاط الرصيف إذا صادف أن وقعت عيني بعين إحداهن، ذلك نوع من رفيع الخلق علي أن أتعلمه، وأن اهمس بصوت خفيض إذا تكلمتُ مع احدٍ في المدينة لأن ذلك ثقافة عامة وتمرين في الأدب واحترام الآخر. وحين دخلنا الكنيسة القديمة طلب مني أن لا اخرج منها مانحا ظهري المذبحَ وصورة العذراء وهي تحمل السيد المسيح. فتذكرت سلوكنا المسيء احيانا داخل الصحن الشريف.
كانت الأرض ملونة بأوراق الخريف التي ما فتئت تنهمر حمراء وصفراء، كنت أمعن النظر بمكنسة السيدة العجوز وهي تجمع ما تناثر من أوراق الشجرة العملاقة التي طالت اغصانها المدخل. لا أعرف لماذا تذكرتُ صورة عمّال النظافة، صخب باعة الخضروات والفاكهة في سوق البصرة القديمة وخمسة ميل والجمهورية، ولا أعرف كيف ارتسمت بعيني صورة الخروف الذي تسبب بمقتل أربعة اشخاص من عشيرتين قبل مغادرتي المدينة بيوم أو يومين، وهكذا ظلت الصور القبيحة تركلني حيثما توجهت. أردت أن الفظ كلمة (الحب) فتعثر لساني.
قلت لأحْمل معي باقة ورد، أقدّمها لزوجتي وأولادي وزوجاتهم ساعة دخولي البيت، بعد غيابي الطويل عنهم، ولأتجاوز هدايا الملابس والأحذية والمكسرات والساهون فلم أستطع، ولن أستطيع. ذلك لأني سأتعرض لسخريتهم وهزء الجيران إن سألوا عن هداياي التي جلبتها. لذا دخلت البازار الكبير وتبضعت من كل ما هو حلو ومالح وحامض، غاضا ببصري عن كل ما هو سوسن وقرنفل وأوركيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 6

  1. ابو سجاد

    هذا الشعب الذي تتحدث عنه كان مبنيا بناءا صحيحا منذ عهد الشاه وحتى هذا اليوم في السبعينات وعامل النظافة يتناول طعامه بالشوكة والسكين يعني تعلم على الادب واحترام القانون اما نحن لم نبنى بناءا صحيحا حيث لانعرف معنى النظام اوالقانون غير القوة والتعنيف فلا تتع

  2. د عادل على

    النظام الجاهلى السابق كان يسمى المؤمنين بزردشت واله زردشت الدى هو نفس الله بالفرس المجوس---زردشت كان يقول دائما كردارى نيك كفتارى نيك و رفتارى نيك وهدا يعنى العمل الجيد الكلام الجيد والتصرف الجيد---عندما احتل البدو العرب ايران ودخلوا فى معابد المسمين با

  3. محمد توفيق

    قبل الدخول الى الزهور كرمز للحب والحضارة دعونا ننتبه الى كارثة ملفتة للنظر في البصرة هي زوال البستنة والحدائق ، والخضار عموماً في البيوت الخاصة أو من المناطق العامة عدا بعض الساحات المتفرقة. البصرة كانت جنة النخيل وغابة الحدائق ، كيف أصبحت الآن... انسحبت

  4. ملاك

    شممت عطر (الشبوي)الذي كان يفوح مساءا في شوارعنا عبر مقالك..وتّذكرت لحظة عناق زوجي لي في الشارع حين جاء من الجبهة بعد هجوم في نهر جاسم وبارك لنا كل من كان كان حاضرا لحظتها اصدقاء وجيران..وكان هذا آخر عناق ولقاء..أخذت وردا لقبره بعد استشهاده مرة واحدة وقررت

  5. ابو اثير

    هكذا تبنى الدول من قبل مواطنيها كما ذكرت سيدي الكريم عندما زرت أيران والعاصمة طهران وكذلك أرمينيا وعاصمتها يرفان وكما قال لك سائق التكسي أن الحكومة في طهران تمنع المواطنين من ممارسة الشعائر الحسينية ومظاهر عاشوراءألا في يومي التاسع والعاشر من محرم الحرام

  6. عبدالمطلب

    لقد وضعت يدك على الجرح، نحن حقا بحاجة الى ثقافة الحب، وهي ممكنة فقط عندما نعمل ونفكر كمواطنين احرار بعيدا عن هامش التبعية لادران الماضي والتعلق به وتقديسه، والعقبة ان من هذه الثقافة الماضوية ان جاز التعبير تنبع ثقافة الكراهية، الشعوب الحية تتعلم من تاريخه

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram