بعد مفاوضات استمرت 12 عاماً بين ساسة إيرانيين، تقمصوا شخصية تاجر البازار المستعد للمساومة لسنوات لضمان الربح، وغربيين مُشبعين بثقافة السوبرماركت، حيث الأسعار محددة وغير قابلة للنقاش، ولم تتأثر بتغير الوجوه، فقد ظل المفاوض الإيراني متمسكاً بالمساومة حتى اللحظة الأخيرة، مستعداً لإفشال الصفقة إن لم يكن ربحه وفيراً، وهو موقن بأن الغرب وخصوصاً الرئيس الأميركي، يفتشون عن اتفاق يحفظ ماء وجوههم، فيعلنون بين فترة وأخرى أن إيران جمّدت بعض، ولم تُفكك برنامجها، للدلالة على أن هناك تقدماً.
نجحت إيران في فرض شروطها، اعتماداً على حليفيها الروسي والصيني، وظلت تناور وهي تزيد قدراتها تحت أعين الغرب، العاجز عن وقف تقدمها في هذا المجال، رغم الصراخ الإسرائيلي المترافق مع أنين بعض العرب، خشية وصول طهران إلى مرحلة إنتاج سلاحها النووي، وبالأمس بعد جولة مفاوضات كانت اعتمدت تاريخاً محدداً للاتفاق، خرج الجانبان بنبأ تمديد المفاوضات دون إعلان فشلها، وأن هناك تقدماً لم يصل إلى نهايته السعيدة، بسبب خلافات ثانوية على بعض التفاصيل التقنية، ومقابل موافقة طهران على التمديد حصلت على ما يقارب 5 مليارات دولار من أرصدتها المجمدة، ومعها وفوقها فوائد فترة التجميد.
كيري دعا الكونغرس إلى دعم التمديد، لأن التوصل إلى اتفاق جيد مع إيران يتطلب وقتاً طويلاً، مع خوض مفاوضات صعبة وقاسية، يتم خلالها الحفاظ على كل القيود المفروضة على برنامجها الإيراني، ويمنعها من إنتاج سلاح نووي، ولم ينس امتداح المفاوض الإيراني، لأنه عمِل بجدية وقارب المفاوضات بحسن نية، ورغم نبرة التفاؤل هذه فإن الواضح أن فترة التمديد "7 أشهر"، تؤشر إلى ما عرقل إبرام اتفاق، لا سيّما في مسائل تخصيب اليورانيوم، ومنشأة آراك التي تعمل بالماء الثقيل، وآلية رفع العقوبات عن طهران، غير أن مشرعين أميركيين دعوا إلى فرض عقوبات جديدة على إيران، رداً على تمديد المفاوضات.
إسرائيل المبتهجة بهذ النتيجة، تعتبر أن "عدم التوصل إلى اتفاق خير من التوصل إلى اتفاق سيئ"، ولندن بررت عدم الاتفاق، بأنه كان صعباً إبرامه بحلول المهلة النهائية، ورغم كل ذلك فإن التشاؤم هو سيد الموقف، حيث واصل الغرب طرح اقتراحات وأفكار، حتى لم يعد في جعبته ما يقدمه، بينما تحافظ طهران على مواقفها دون أي مرونة حقيقية، مع أن النتيجة لا تصب في مصلحة حكومة روحاني، التي كانت تعهدت إنهاء المفاوضات ورفع العقوبات المفروضة، خصوصاً بعد أن قلّل اقتصاديون إيرانيون من أهمية الإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة، من دون حلّ جذري ينهي العقوبات.
تشدد إيران جاء بسبب موقف المرشد الأعلى الذي رفض أي تنازل، مؤكداً ضرورة التزام الخطوط الحمر التي حددها المجلس الأعلى للأمن القومي، وقادة المؤسسات العسكرية الإيرانية، نددوا بالمفاوضات باعتبار أن "ما وعد به الشيطان الأكبر كان خاوياً"، ومع ذلك فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت أن طهران خفّضت مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، فبات اقل من 7400 كيلوغرام، واتخذت تدابير أخرى للالتزام باتفاق جنيف، وتلك تنازلات لا تتحدث عنها طهران.
المؤكد أن الفشل في محادثات فينا، يُعد فشلاً مضافاً للسياسة الأميركية، بعد فشلها في مواجهة سياسات موسكو في أوكرانيا ومواجهة داعش، والعلاقات مع القاهرة والقضية الفلسطينية، والموقف من أحداث سوريا وما يجري في العراق، وفيما كانت واشنطن تظن أن الثمرة الإيرانية نضجت وحان قطافها، كانت طهران تخطط للمرحلة المقبلة بهدوء أعصاب يفرضه خامنئي، مستبعداً روحاني وظريف عن اتخاذ القرار.
بازار النووي.. لم تتم الصفقة
[post-views]
نشر في: 26 نوفمبر, 2014: 09:01 م