من مظاهر الزمن العراقي "الأغبر" على حد تعبير احد راصدي الأداء السياسي ، تصنيف قادة الأحزاب ورؤساء الكتل والزعماء الروحيين لبعض القوى ، على أساس امتلاك موهبة وخبرة الاحتيال ، والتأثير في شريحة واسعة من المجتمع ، بوصفها قاعدة شعبية ، تستطيع في الانتخابات ان تغير المعادلة لصالح قائمة على حساب اخرى ، ثم تبدأ بعد ذلك لعبة الحصول على المناصب والمواقع وفق الاستحقاق الانتخابي ، فيحصل المقربون من رئيس القائمة على لقب صاحب المعالي بصرف النظر عن رصيدهم من أصوات الناخبين ، والشواهد كثيرة ، فهناك من فشل في الحصول على أصوات أبناء عشيرته ، لكنه شغل حقيبة وزارية لمشاركته في الماراثون التفاوضي لتشكيل الحكومة الجديدة ، هذا النموذج وغيره ، يعكس بشكل مباشر تأثير القائد او الرئيس او الزعيم في إدارة البلاد ، فبرزت مظاهر التراجع الأمني والسياسي وسوء الأداء التشريعي والتنفيذي والقضائي بجهود "قرقوزات" الزمن الأغبر.
القرقوز العراقي يقابله الارجواز المصري ، اسم يطلق على دمية تستخدم في تقديم عروض بالهواء الطلق ، عادة ما تكون في مواسم الأعياد والأفراح ، لغرض الترفيه عن المشاهدين ، وتوجيه نصائح وارشادات وانتقاد مظاهر اجتماعية وسلوكية باستخدام الاغنية والقفشات والتعليقات الساخرة ، ومع مرور الزمن دخل الارجواز في عروض مسرحية مصرية ، وكانت له اكثر من تجربة في هذا النوع من فنون العرض، تناولت شخصيات سياسية ومسؤولين متورطين بقضايا فساد من دعاة الدفاع عن الجماهير وتحقيق مكاسبها ، بعد حلول موعد يوم القيامة .
القرقوز في العراق يختلف عن نظيره المصري ، فالاول وديع وحباب وملتزم بالتعليمات والضوابط لم يحتفظ سجله بأية حالة إثارة شغب ، يحترم دور رجال الامن في تطبيق النظام والقوانين ، لا يفضل الخوض في شؤون السياسية ، ومن ثوابته الاستراتيجية الابتعاد عن إثارة غضب السلطة ، وتلميع صور المسؤولين ، الا بعد صدور بيان رسمي يتهمهم بالخيانة والتآمر.
الراحل انور حيران مع احد زملائه كان يقدم برنامج قرقوز على شاشة محطة تلفزيون بغداد بالأسود والأبيض في يوم الخميس من كل أسبوع وبعد أفلام كارتون ،وعلى الرغم من الامكانيات المادية والفنية الفقيرة ، استحوذ قرقوز على اهتمام الجمهور ، وخاصة الأطفال لتناوله قضايا النظافة ، والمرور ، والرفق بالحيوان ، ومخاطر الكذب ، وطاعة الوالدين ، والاهتمام بالدراسة ، وعندما دفع العراقيون صغارا وكبارا ضريبة الصراع على السلطة ، وخاضوا حروب النظام ضد الجيران لتحقيق النهوض القومي ، غاب قرقوز عن التلفزيون ، ورحل انور حيران الى العالم الاخر ، ولم يغامر احد بان يكون بديلا له ،فخسر العراقيون ولادة قرقوز ما بعد الحداثة ، ينصحهم ويرشدهم لسلوك افضل المسالك للخلاص من المهالك ،ولكثرة وجود قرقوزات السياسة من فئة محتال دولي، ونفوذهم وامتلاكهم فضائيات ووكالات انباء ومواقع الكترونية اصبح من المستبعد ظهور قرقوز جديد يوجه للجيل الجديد نصائح وارشادات تربوية واخلاقية ، ويحذرهم من المحتالين متصدري المشهد السياسي العراقي برفع الصوت الى مستوى "العياط" ليصل الى سابع جار.
قرقوز سياسة
[post-views]
نشر في: 28 نوفمبر, 2014: 09:01 م