الرئيسية > أعمدة واراء > مرآة لبنانية

مرآة لبنانية

نشر في: 21 أكتوبر, 2012: 08:32 م

تفجير الأشرفية مأساة متعددة الوجوه. اول هذه الوجوه ضحايا التفجير من قتلى وجرحى. ثانيها خسارة الأمن اللبناني كفاءة كبرى. الثالث الدمار المادي. الرابع تمثل بهزة امنية وسياسية خطيرة ضربت لبنان ومازالت تفاعلاتها في صعود.
ولكل وجه من هذه الوجوه الاربعة جوانب وتفاصيل أخرى مؤلمة ومحزنة. ولكن العراقي المتمعن في هذه المأساة يجد سببا للحزن على نفسه أكبر وأمر من جميع أسباب الأحزان اللبنانية هذه. بل لعله يحسدهم على هذه المآساة. والسبب هو ان المأساة لا تكون مجانية في لبنان، شأنها في العراق حيث تقع ثم تنسى دون أن تخلف آثارا أو تسبب ردود افعال ملائمة.
كان مقتل العميد وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، أكبر اسباب الاحتجاج اللبناني على تفجير الأشرفية. فالرجل كشف نحو عشرين شبكة تجسس اسرائيلية. وهو الذي كشف الوزير السابق ميشيل سماحة متلبسا بنقل متفجرات في سيارته من دمشق الى بيروت، لاستخدامها في عمليات تخريب واغتيال في لبنان. وكان هذا اكبر أعماله وأخطرها. وقد دفع حياته ثمنا له في تفجير الأشرفية.
ولبنان منقسم بين موالاة ومعارضة. المعارضة تتهم بشار الأسد اتهاما مباشرا بالمسؤولية عن اغتيال الحسن، وتدين فريق الموالاة لأنه حليف النظام المجرم. ولكنك لن تجد بين الفريقين بعد مقتله من يتشكك بكون الحسن كفاءة أمنية وطنية. كلاهما يتفقان في تقديره ويختلفان في تحديد الطرف المتهم باغتياله. رئيس الوزراء الذي يعد الرئيس الرسمي لفريق الموالاة اضطره الحرج الى تقديم استقالته، فريق المعارضة جعل البلد يغلي وادخله في شبه انتفاضة سلمية، والاحتجاجات الدولية على الحادث بدأت من النظام السوري، ما غيره، ووصلت الى مجلس الأمن.
وهذا هو شأن الشعب الحي، صاحب القدرة. انه لا يقبل الموت والدمار بالمجان. وانما يرفض ويحتج ويقاوم، لأنه يحترم نفسه ويحب حياته، لأنه حر.
على العكس من ذلك تماما هي حالنا في العراق. نحن شعب عاجز. عراق صدام كان قصة موت سري. بعده صار العراق قصة موت معلن. وبين أكثر فصول قصة الموت المعلن إيلاما موجات تصفية الكفاءات على أنواعها، وأشهرها موجة قتل الطيارين. واذا انحسرت موجات القتل المادي الإرهابية الغامضة، تحركت موجات القتل المعنوي الحكومية الواضحة. والأمثلة كثيرة. أحدها الرئيس السابق لهيئة النزاهة، القاضي رحيم العكيلي. وجهت اليه اتهامات، ثم أخلي منزله بصورة لئيمة. نحن العاجزين نعرف ذنوبه. ذنوبه انه كفاءة، وانه أخذ النزاهة على محمل الجد، ورفض دخول بيت الطاعة، ودَعَمَ كل مبادرة شعبية تعزز الرقابة على الحكومة.
سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي مثل آخر على القتل المعنوي للكفاءات. هو الآخر أخذ عمله واستقلالية البنك المركزي عن الحكومة على محمل الجد. تسلم منصبه والدينار ريشة في مهب الريح. وعلى يديه تعافت العملة الوطنية وصارت عملة صعبة، فكوفىء بالطرد من المنصب والمطاردة بمذكرات توقيف. في المثلين كان القانون سياسة. وفي المثلين لم يخرج سياسي واحد من الصف الأول بكلمة احتجاج. ساسة العراق صمتوا. ومن هذا الصمت يُصنع الدكتاتور وتُهدر كرامة الشعب. وبهذا الصمت يكون الفرد العراقي وحيدا مستضعفا.
على العكس من ساسة العراق تكلم ساسة لبنان. قالوا في الحسن: كان حامينا. وتحركوا احتجاجا في كل الاتجاهات، من البيوتات والمقرات الى الشاشات والساحات. وكل هذا يبقي الحسن حيا لأنه يجعل موته كريما كحياته. لقد عاش بطلا ومات شهيدا. لذلك نحسد القتيل وأهله. العاجزون يغبطون القادرين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. أ.د.عبدالكاظم ماجود

    الاستاذ الفاضل احمد :مالعمل ؟ هل نبقى عاجزين ؟ لم يبقى لحاكمنا مايجب ان يفعله على طريق تغوله وتحوله الى دكتاتور الا وفعله بدم بارد , ونحن نتفرج .هل تحولنا الى شهود صمت على موتنا المعلن كما تصفنا بحق ياستاذ احمد ؟لكن حتى لو كنا شهود صمت الا نستطيع, ولو بطر

  2. ابوحسين الخزعلي

    تشخيص سليم لقتل الكفاءات الوافدة لان صدام سبق وان قتل الكفاءت المختلفة التي كانت تحمل هم ووعي قضية شعب وحقوقه الديمقراطية اما بالتهجير او بالموت البطي بلا عمل او القتل الجسدي وكان يوسف الصائغ قد مات بطيئا في بيته صامتا لايقوى ان يفعل شيئا لهذا الخراب ونحن

يحدث الآن

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: اربيل تقرأ

مرور نصف عقد على رحيل رفعة الجادرجي 10 نيسان 2020

العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزء- 2)

العمود الثامن: جماعة الفشل

 علي حسين ثمة متعة خاصة في قراءة كتب المفكر الفرنسي جاك أتالي، وخصوصاً كتابه عن كارل ماركس والذي أكد فيه على مقولة ماركس الشهيرة "ظلّت الفلسفة تفسّر العالم بطرق مختلفة. ولكن المهم تغييره"....
علي حسين

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

طالب عبد العزيز من السعف الذي لم تأته الريح من الشمال، ومن الجذوع، أنبأتها الشمسُ بموعد النهار، ومن القصب، لم تثقّبهُ نداءاتُ الراحلين، فظلَّ قصباً الى الحين والابد، أنشأتُ كوخاً، آوي اليه أحياناً، أسجِّي...
طالب عبد العزيز

( 50 ) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري   ( 3) من نافذة الصف تمتد أمامي نازلة بساتين الحمضيات. أحاول أن أهدئ نفسي بخضرتها المتعافية و بزرقة البحر الممتد إلى اللانهاية. أسمع جرس الاستراحة وأقول لنفسي: مستحيل! لا البحر ولا...
زهير الجزائري

في خط الشروع للمشروع الوطني التنموي

ثامر الهيمص لكي تنهض اي امة او شعب، لابد ان يكون لديهما مشروع سياسي واقتصادي واضح المعالم ، لذا ينبغي تجديد كتابة الماضي وفق مسلتزمات الواقع المتجدد ، بما يؤهل المشروع للمقبولية الاجتماعية والتاريخية...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram