تدور التراجيديا الإغريقية منذ نشأتها حول فكرة واحدة ، وهي أنّ الإنسان لا يستطيع الهروب من مصيره .. ويخبرنا ثقاة المؤرخين أن ابن رشد وهو يترجم كتاب الشعر لأرسطو ، وقف حائرا أمام مفردات من عيّنة فن التمثيل والمحاكاة ، فنحن قوم لم يظهر لدينا سوفوكليس أو أسخيلوس ، كل ما نعرفه من الشعر هو فن مديح القبيلة لا الوطن ، والبحث عن عبلة ، لا عن مصير بني عبس ، وأن السيف أصدق أنباءً من الكتب ، وحين حاول طه حيسين أن يصنّف الشعر الجاهلي لم يجد فيه سوى خصلتي المديح والهجاء ، ما عدا ذلك كلمات في النفس للمعرّي وشكوى من الزمان لابي العتاهية ، و"دمعا عصيا "لأبي أبي فراس الحمداني .
بالأمس أعاد إلينا مجلس النواب العراقي الجدل حول التراجيديا، هل هي جزء من التاريخ أم مجموعة حكايات لا تمتّ إلى الواقع بصلة ، ففي جلسة مثيرة للضحك والأسى قام عدد من نواب التحالف الوطني بمنع نائب من إكمال مداخلته حول شجاعة الجنود العراقيين الذين صمدوا أمام تنظيم داعش في معركة مصفاة بيجي، حيث قام النائب بتشبيه شجاعتهم بمقاتلين يونانيين صمدوا أمام غزو فارسي لبلدهم، الحادثة التاريخية التي استشهد بها النائب مرّ عليها أكثر من ألفين وخمس مئة عام ، يوم كانت إيران تسمى الإمبراطورية الفارسية ، وأذكر أنني في بدايات دراستي للمسرح قرأت مسرحية الفرس لأسخيلوس بترجمة الراحل إبراهيم سكر وهي المسرحية التي استمد المؤلف فكرتها من الواقعة التاريخية التي استشهد بها النائب ، وفي المقدمة يخبرنا المترجم أن هذه المسرحية ترجمت إلى الفارسية ، ولم يُحذف منها سطر واحد باعتبارها جزءاً من التراث الإنساني ولم يعترض نواب " طهران " على مفردة الغزو الفارسي في مسرحية أسخيلوس .
طبعا لا أحد يمكن له أن يصادر حق السادة نواب التحالف الوطني في أن يقرأوا التاريخ بطريقتهم الخاصة .. ولكن ليس من حق أحد أن يحوّل هذه القراءة إلى نزعة طائفية ، وأسأل السادة النواب المعترضين لو أن أحداً وقف في البرلمان وقال الغزو البابلي أو الغزو الآشوري هل سيعترضون ؟ الإجابة أتركها لأصحاب التراجيديا العراقية الذين يقدّمون لنا كل يوم فصلا سياسيا مكررا ، ومشاهد لا سابقة لها في عصور الديمقراطية ، مشهد نواب يصرخون من أجل عبارة غزو فارسي ،لكنهم يصمتون لموت العشرات كل يوم ، ونراهم يتحيّنون الفرص للتمتع بإجازة الصيف والشتاء في مولات دبي وأسواق بيروت وشوارع لندن ، في الوقت الذي حملت إلينا الصحف خبراً يؤكد أن تبرعات الممثلة " الكافرة " و" السافرة " أنجيليا جولي تجاوزت الـ 25 مليون دولار كان أكثرها من نصيب لاجئي سوريا والعراق ، فيما صحفنا لاتزال تتباهى بصورة عالية نصيف تمدّ لسانها للجميع !
يدخل السياسي العراقي إلى البرلمان وهو يتحدث عن المظلومية وحق الناس بالأمن والرفاهية ، فيتحول في النهاية إلى مقاول يوزع الإكراميات والعطايا والعقود على الأقارب والأصحاب والأحباب.. لا يذهب بكم الخيال بعيدا وتعتقدون أنني أقصد نواب التحالف الوطني حصرا ، لا أيها السادة لا استثناء في هذا الأمر الكل رابح.. أما الخاسر الوحيد فهو المواطن المسكين الذي ارتضى أن يعيد انتخاب نواب لا يحبّون أوطانهم وتراهم يرفعون السيوف بوجه كل من يتحدث عن دول الجوار ، فعواصمهم هي أنقرة وطهران والرياض والدوحة ، ، ولم يُظهر العقوق ونكران الجميل للعراق أحد مثل نوّابه الأكارم . أولاً وأخيراً، وبيْن الحين والآخر !
فماذا يعني أن يعيش ملايين الشيعة حياة تعيسة وبائسة، من أجل أن ينعم ممثلوهم في البرلمان بالحياة الباذخة والقصور والامتيازات والمصفحات؟! وماذا يعني أن يدافع أهالي الأنبار عن مدينتهم فيما نوابهم يتنزهون في شوارع عمّان أو يتبارزون في الفضائيات ، وفي أبسط " الإيمان " يحوّلون أموال بغداد لإنعاش مدن الجوار ؟!
نموت.. نموت وتحيا "دول الجوار"!
[post-views]
نشر في: 28 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 6
ام رشا
أستاذ علي شتتوقع من ناس وقفوا مع جيش ايران لمحاربة بلدهم ..واشتركوا في عمليات قتالية و وتفجيرات واغتيالات ..هؤلاء ليس لهم انتماء لا للوطن ولا للشعب ولا للأرض هم سبب دمار العراق
رمزي الحيدر
نحن دولة بدون حياء .!
سليم
سلمت هذا عين الصواب , يبقى العراقي المسكين هو الساذج
ابو سجاد
يااخي هذه معلومة قديمةوليس فيها من جديد من قال لك ان هؤلاء يمثلون العراق خيرهم يحمل جنسيتين وولاءهم لما ذكرتهم لايتزحزح وكل هؤلاء في السلطة التشريعية والتنفيذية لايمثلون العراق ولاطائفة ولاقومية والكل عملاء بلا استثناء فارجوك لاتقل لي انك تظلمهم
وسام
الاستنتاج بسيط حسب فهمي فهم ليسوا بعراقيين وطنيين وكذلك لايستطيعون ان يخبءوا جهلهم وخيانتهم. وشكرا لامريكا اللتي أبدلت أصدقاءها السابقين بأمر وأَلْعَن. في ملحمة نجيب محفوظ يقول خادم الفتوة جوعوا حتى يشبع الفتوة ، تعروا حتى يتكسي الفتوة. فتوات العراق تتعام
داخل السومري
دول الجوار هذه ومنهم بالخصوص الجوار الايراني والجوار السعودي لهما شرائح من الشعب العراقي يتقاتلون فيما بينهم مستمتين في سبيل نفوذ هذين الجارين ولا يهمهم مصلحة العراق بقدر ما يهمهم نفوذ هذين الجارين في العراق.لهذا فأني اخشى ما اخشاه هو سيطرة هذين البلدين ع