أحيا الأردنيون الجمعة ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الأردني الأسبق وصفي التل، وهم يستذكرون أولاً وعاشراً نزاهته وعدالته والتزامه بالحفاظ على المال العام، ربما لأن معظم سياسيي أيامنا هذه لا يتحلون بهذه الصفات ويمارسون عكسها، فهو لم يترك خلفه قصوراً فارهة ولا أرصدة فلكية، ولم يمارس التجارة مستغلاً لوظيفته، ظل وفياً لوطنه الأردني قبل وفوق كل شيء، ربما متأثراً بوالده الشاعر "عرار" الذي عشق الأردن حتى اتُهم بالإقليمية، كان يتعاطى مع القضايا بحكمة وحزم وحنكة، لا يترك للحظة الراهنة أن تحكمه بمزاجيتها، وإنما كان يستشرف المستقبل بدقة وبصيرة ثاقبة، فيعد لكل الاحتمالات، يؤمن بدولة المؤسسات والقانون، ولا يتجاهل إيجابيات العادات العشائرية، فيستعين بها في حل بعض القضايا دون إخلال بهيبة الدولة.
آمن بالعمل العربي المشترك، ورغم أن الكثيرين اعتبروه معادياً للفلسطينيين، فإن المؤكد أنه كان عاشقا لفلسطين، فقد انضم للجيش البريطاني على غرار ما قام به شباب اليهود، عشية الحرب الكونية الثانية، أيامها اتُهم بالعمالة من قبل الوطنيين، غير أن الدكتور منيف الرزاز عاد فأنصفه، لأنه استغل خبرته المكتسبة في الجيش البريطاني، عند انضمامه لجيش الإنقاذ بينما "المناضلون" لا يتقنون استخدام المسدس، وقف ضد مشاركة الأردن في حرب حزيران، ليس لعدم قبوله سياسات جمال عبد الناصر، وإنما لإدراكه للنتائج الكارثية التي ستقع على وطنه الصغير، وهو يعرف قدراته وإمكاناته.
آمن بأهمية تطوير القطاع الزراعي، فشجع الزراعة بأشكالها المختلفة في كل مكان في الأردن يمكن أن يكون منتجاً، وإلى حد أنه أمر بسجن كل مالك أرض زراعية لا يقوم بزراعتها، وهو حين توفي ترك بيتاً في مزرعة صغيرة عند أطراف عمان، كان يخدمها بنفسه بعد ساعات دوامه الرسمي، ويروى أنه حين عين رئيسا للوزراء احتاج إلى تزويد منزله بهاتف، واحتاج تمديد الهاتف إلى ثلاثة أعمدة كان عليه دفع ثمنها، فطلب من وزير ماليته خصم المبلغ من راتبه الشهري مقسطاً على ثلاثة أشهر، مع أن المطلوب كان فقط ستة دنانير، وعند وفاته كان مدينا بما يقارب 100 ألف دينار، ثمناً لمعدات زراعية لتطوير مزرعته الصغيرة.
آمن وصفي أن المواطن الذي يعيش في أمن حقيقي، هو وحده القادر على العطاء، أما المواطن الذي يعيش في الرعب والفوضى، فلا يملك شيئا يعطيه لبلده أو قضيته أو حتى لأحد من الناس، كان حين يتسلم رئاسة الوزراء يأتي مسلحاً بخطط مدروسة ومحددة لكل وزارة، أعاد تنظيم أجهزة الدولة، وحارب الفساد الإداري كالرشوة والمحسوبية، ورفع المستوى الوظيفي للإدارة، أسس أول جامعة في الأردن، ومؤسسة لرعاية الشباب، ودائرة للثقافة والفنون، وبنك الإنماء الصناعي، أصدر عفواً عاما عن المعارضين، بمن فيهم ضباط متهمين بمحاولة قلب نظام الحكم، افتتح مخيمات صيفية للشباب، وأشرك الجيش في عملية البناء والتنمية من خلال شق الطرق، وحفر الآبار، وتمديد الأنابيب، وتدريب الشباب.
يأتي إحياء ذكرى اغتيال وصفي بكل هذا الحزن والشعور بالفقد لأنه كان نموذجاً يحتذى في الرجولة والشجاعة والوطنية وصدق الانتماء، والمثل الأعلى في تحمل المسؤولية، وإدارة الحكم بالعدل والأمانة والنزاهة، وطهارة اليد ونقاء الضمير.
هل يقرأ سياسيونا سيرة وصفي؟
في ذكرى وصفي "النزيه"
[post-views]
نشر في: 29 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
خليلو...
انظر الى ما فعله وما تركه من ذكرى عطرة للاردن والى ما يفعله احفاد مغتاليه اليوم بدءا من غزة الى الارض المقدسية .......كادت الارض والبلاد تخلو من رسل الخير والصلاح.