اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في ذكرى وصفي "النزيه"

في ذكرى وصفي "النزيه"

نشر في: 29 نوفمبر, 2014: 09:01 م

أحيا الأردنيون الجمعة ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الأردني الأسبق وصفي التل، وهم يستذكرون أولاً وعاشراً نزاهته وعدالته والتزامه بالحفاظ على المال العام، ربما لأن معظم سياسيي أيامنا هذه لا يتحلون بهذه الصفات ويمارسون عكسها، فهو لم يترك خلفه قصوراً فارهة ولا أرصدة فلكية، ولم يمارس التجارة مستغلاً لوظيفته، ظل وفياً لوطنه الأردني قبل وفوق كل شيء، ربما متأثراً بوالده الشاعر "عرار" الذي عشق الأردن حتى اتُهم بالإقليمية، كان يتعاطى مع القضايا بحكمة وحزم وحنكة، لا يترك للحظة الراهنة أن تحكمه بمزاجيتها، وإنما كان يستشرف المستقبل بدقة وبصيرة ثاقبة، فيعد لكل الاحتمالات، يؤمن بدولة المؤسسات والقانون، ولا يتجاهل إيجابيات العادات العشائرية، فيستعين بها في حل بعض القضايا دون إخلال بهيبة الدولة.
آمن بالعمل العربي المشترك، ورغم أن الكثيرين اعتبروه معادياً للفلسطينيين، فإن المؤكد أنه كان عاشقا لفلسطين، فقد انضم للجيش البريطاني على غرار ما قام به شباب اليهود، عشية الحرب الكونية الثانية، أيامها اتُهم بالعمالة من قبل الوطنيين، غير أن الدكتور منيف الرزاز عاد فأنصفه، لأنه استغل خبرته المكتسبة في الجيش البريطاني، عند انضمامه لجيش الإنقاذ بينما "المناضلون" لا يتقنون استخدام المسدس، وقف ضد مشاركة الأردن في حرب حزيران، ليس لعدم قبوله سياسات جمال عبد الناصر، وإنما لإدراكه للنتائج الكارثية التي ستقع على وطنه الصغير، وهو يعرف قدراته وإمكاناته.
آمن بأهمية تطوير القطاع الزراعي، فشجع الزراعة بأشكالها المختلفة في كل مكان في الأردن يمكن أن يكون منتجاً، وإلى حد أنه أمر بسجن كل مالك أرض زراعية لا يقوم بزراعتها، وهو حين توفي ترك بيتاً في مزرعة صغيرة عند أطراف عمان، كان يخدمها بنفسه بعد ساعات دوامه الرسمي، ويروى أنه حين عين رئيسا للوزراء احتاج إلى تزويد منزله بهاتف، واحتاج تمديد الهاتف إلى ثلاثة أعمدة كان عليه دفع ثمنها، فطلب من وزير ماليته خصم المبلغ من راتبه الشهري مقسطاً على ثلاثة أشهر، مع أن المطلوب كان فقط ستة دنانير، وعند وفاته كان مدينا بما يقارب 100 ألف دينار، ثمناً لمعدات زراعية لتطوير مزرعته الصغيرة.
آمن وصفي أن المواطن الذي يعيش في أمن حقيقي، هو وحده القادر على العطاء، أما المواطن الذي يعيش في الرعب والفوضى، فلا يملك شيئا يعطيه لبلده أو قضيته أو حتى لأحد من الناس، كان حين يتسلم رئاسة الوزراء يأتي مسلحاً بخطط مدروسة ومحددة لكل وزارة، أعاد تنظيم أجهزة الدولة، وحارب الفساد الإداري كالرشوة والمحسوبية، ورفع المستوى الوظيفي للإدارة، أسس أول جامعة في الأردن، ومؤسسة لرعاية الشباب، ودائرة للثقافة والفنون، وبنك الإنماء الصناعي، أصدر عفواً عاما عن المعارضين، بمن فيهم ضباط متهمين بمحاولة قلب نظام الحكم، افتتح مخيمات صيفية للشباب، وأشرك الجيش في عملية البناء والتنمية من خلال شق الطرق، وحفر الآبار، وتمديد الأنابيب، وتدريب الشباب.
يأتي إحياء ذكرى اغتيال وصفي بكل هذا الحزن والشعور بالفقد لأنه كان نموذجاً يحتذى في الرجولة والشجاعة والوطنية وصدق الانتماء، والمثل الأعلى في تحمل المسؤولية، وإدارة الحكم بالعدل والأمانة والنزاهة، وطهارة اليد ونقاء الضمير.
هل يقرأ سياسيونا سيرة وصفي؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. خليلو...

    انظر الى ما فعله وما تركه من ذكرى عطرة للاردن والى ما يفعله احفاد مغتاليه اليوم بدءا من غزة الى الارض المقدسية .......كادت الارض والبلاد تخلو من رسل الخير والصلاح.

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram