قد يكون التهكم لغة صعبة الفهم على سياسيي مدننا، ذلك لأنهم على درجة عالية من (التطنيش)، لكن ما فعله بعض الشباب في البصرة، بعد هطول الأمطار الغزيرة الأسبوع الماضي جدير بالملاحظة، بعد أن أدار المسؤولون ظهورهم لكل ما هو جاد وجوهري في معالجة الأزمات التي ظلت تنتج أزمات أخر منذ العام 2003 إلى اليوم، فما قضية المجاري والخدمات البلدية وليدة الحدث، ولا قضية الفساد وانعدام الأمن ومتوالية خراب التعليم والصحة والأسواق وووو بحوادث الأمس أو العام الماضي، إنما هي نتائج للسياسات الخاطئة، أو لنقل هي نتيجة حتمية لوجود من لا يملك فن القيادة وحكمة الزعيم والرؤية المنفتحة التي تصغي وتستمع لذوي الرأي والمشورة.
لم يبخل علينا سكان المناطق المنكوبة بالمطر بالصور الفاضحة واللقطات المثيرة الصادمة احيانا، ومن يتصفح الفيس بوك يجد أن المدينة غرقت بأكملها، وما يقوله المسؤولون عن وجود شبكة مجاري ومثلها لتصريف مياه الأمطار كذبة كبيرة، إذ من السخف والعار أن مدينة مثل البصرة أحاطها الله بشبكة انهار وترع وشطوط غير قادرة على استيعاب مطر، وإن بدا غزيرا لكنه لم يستمر هطوله سوى دقائق، وما في الأمر حكمة أو إعجاز فتصريف مياه الأمطار قضية لا تحتاج إلى عبقرية كبيرة، وما حجة بعض موظفي البلدية بأن البصرة مدينة لا ترتفع كثيرا عن البحر بقادرة على إيقاف تهكم الشباب، فهولندا دولة تنخفض عن مستوى سطح البحر ومدن غيرها محاطة بالمياه من كل جانب، لكن إعمال العقل هناك ذلل المصاعب ووفر الجهد والمال. أو لنقل بان وجود المسؤول المناسب والشعور بالمسؤولية هناك خلق مدننا عامرة جميلة فيما يخرب الفاشلون مدننا نحن.
لا يبعد نهر العشار عن المبنى الحكومي سوى بضعة امتار، ومثل ذلك لا تبعد المستشفى الجمهوري وكذلك الكثير من المدارس والبيوت. والبصرة التي بين المعقل والخورة مدينة تتخللها أربعة انهر(شط الترك، والخندق والعشار والخورة) وكلها تشرب من شط العرب، وهي ضامنة لتصريف ملايين الأطنان من مياه الأمطار، لكن حكومتنا الرشيدة، وعبقرية مسؤوليها لم تعمل بما يجب. لذا وعوضا عن قيامهم بإنشاء شبكة لتصريف مياه المجاري، ونتيجة للفشل المستمر والفساد العام جعلت من الانهار الأربعة شبكات للصرف الصحي، بمعنى طمرتها، أو بنقل تعطلت حركة المد والجزر فيها، وبذلك أجهزت، وبغباء مطبق على قنوات طبيعية كان شقها العارفون بشان المدينة، من أهلها المخلصين قبل عدة قرون.
لم يكتف هؤلاء بتخريب مركز المدينة والضواحي المحيطة بها بل أمتد الخراب إلى القرى والبساتين في قضائي شط العرب وأبي الخصيب حيث تطمر الأنهار وتتحول إلى مكبات للنفايات ومجاري للمياه الثقيلة جراء السياسة الفاشلة في إدارة المدينة، وما إجراؤهم بإدخال بساتين أبي الخصيب ضمن التخطيط (العمراني) للمدينة إلا القبح بعينه، فهم، وبدلا من تشجيع أصحاب الأراضي الزراعية والبساتين وحماية الأراضي الخضراء ومعالجة البيئة راحوا يسهلون كل عمليات التجريف والقطع والردم، في عملية شبه منظمة، لا يعلم الحكمة منها إلا كل من لا يملك روحا وطنية، ومن لم يجلس بفيء نخلة يوما، ومن لم يتأمل منظر الماء وهو يجري ويغمر الأنهار بماء حلو، عذب تتهادى على صفحة الطير وينعم ببرودته الساكن إلى جواره في الصيف الحار.
معلوم، أن أسبابا بسيطة، مثل تظاهرة احتجاج على باخرة تلقي بنفايات عرض البحر، قبالة سواحل دولة، ما كفيلة بإسقاط حكومة هناك، وهناك ما هو أقل شانا من ذلك. لكن الغريب في العراق أن وزيرا واحدا لم يستقل جراء حادث يؤدي بمقتل المئات، وان محافظا أو عضوا في حكومة محلية لم يعلن عن مسؤوليته أو إخفاقه في معالجة مفصل حيوي كقضية التنمية او الاستثمار ...وهكذا نجد ان برلماننا صامت، ووزرائنا صامتين، لا بل وصل الأمر إلى صمت شعبي كامل عن كل ما نتعرض له من فواجع. ترى كيف أطفأ هؤلاء جذوة الرفض في نفوسنا ؟ ما الذي يحث في العراق ترى؟ هل يرضى السياسي بأن يكون التهكم لغة مشتركة بينه وبين مواطنيه، لا تعني الرفض؟ ام ماذا؟!
بمناسبة مطر البصرة الغزير
[post-views]
نشر في: 29 نوفمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...