TOP

جريدة المدى > عام > قاسم عبد الأمير عجام.. ريادة عراقية في ثقافة وسائل الاتصال

قاسم عبد الأمير عجام.. ريادة عراقية في ثقافة وسائل الاتصال

نشر في: 30 نوفمبر, 2014: 09:01 م

لم يدرس على نحو جدي، توجه ثقافي انبرى له، مبكرا، الناقد والباحث الراحل قاسم عبد الأمير عجام، هو نقد التلفزيون، فرأى "الشاشة الصغيرة" كونها وسيلة اتصال شعبية واسعة، ونتاجا ثقافيا سيكتسح الأشكال التقليدية للمعرفة، اعتمادا على قدرته البصرية، وتمكنه من ب

لم يدرس على نحو جدي، توجه ثقافي انبرى له، مبكرا، الناقد والباحث الراحل قاسم عبد الأمير عجام، هو نقد التلفزيون، فرأى "الشاشة الصغيرة" كونها وسيلة اتصال شعبية واسعة، ونتاجا ثقافيا سيكتسح الأشكال التقليدية للمعرفة، اعتمادا على قدرته البصرية، وتمكنه من بث كم هائل من المعلومات والإشارات، بما لا تتوفر عليها وسائل الإنتاج الثقافي السائدة في الوقت الذي بدأ فيه الراحل توجهه نحو شكل كتابي، اسماه "النقد التلفزيوني"، وتحديدا أوائل سبعينات القرن الماضي.

ولأن الثقافة العراقية والعربية بوجه عام، أسيرة الانبهار بالتيارات الغربية، فقد راحت تتحدث كثيرا، في ثمانينات القرن الماضي، عن براعة النهج الفكري والنقدي الذي شكّله مارشال ماكلوهان، المفكر والكاتب الكندي الدراس لوسائل الاتصال الجماهيري الاليكترونية، ومنها التلفزيون، لجهة سيطرتها على حياة الناس، وتأثيرها الكاسح على أفكار الناس ومؤسساتهم المجتمعية والثقافية، وعلى امتداد المعمورة.
والراحل، الذي اغتالته قوى الظلام "البعثسلفية" في 17 أيار 2004، وبعد ايام من توليه مسؤولية "مديرية الشؤون الثقافية" العراقية، لم يتوقف في نهجه عند الاطار النظري لـ"النقد التلفزيوني"، ولم يكن مولعا به، على أهمية ذلك ووضعه أوراق بحث جدية في ذلك، بل ذهب الى الميدان الحقيقي لوسيلة الاتصال الجماهيرية الواسعة الاتصال، إنتاجا وقراءة لمفاتيح العرض الفني ودلالاته الثقافية والأخلاقية الاجتماعية، فضلا عن الجوانب الجمالية المهذبة للمشاعر والمدارك.

المسؤولية الاجتماعية - الثقافية لوسائل الاتصال
فهو يرى ان "اهتمامه بوسيلة حية من وسائل تطوير العمل التلفيزيوني، لا من خلال ما يقدمه النقد من ملاحظات تتعلق بالإنتاج التلفزيوني فحسب، وإنما وبدرجة مماثلة الأهمية من خلال توسيع سبل التفاعل بين الجمهور المتلقي والمادة التلفزيونية"، منوها الى ان "النقد التلفزيوني بهذا المعنى يعيد الانتاج او العرض الذي يتناوله الى مائدة النقاش، مهيئا له فرصا اضافية للتأثير لاسيما اذا نجح النقد في الإمساك بمفاتيح العمل الذي تناوله، اضافة لذلك، تحفّز المتابعة النقدية المستمرة للإنتاج التلفزيوني المزيد من البحث في سبل تطوير العملة الفنية وتكشف حضور الفنانين في وجدان جمهورهم، وبذلك توسّع من دائرة تأثيرهم فيه، وبالمقابل يسعى النقد التلفزيوني الى تطويق ما قد يكون لبعض الأعمال الفنية من آثار سلبية على ذوق المتلقي او على ما نريده له من روح إيجابية متفتحة على آفاق المسؤولية الاجتماعية".
ومن هذا الجانب الأساسي: المسؤولية الاجتماعية، يؤكد الراحل قاسم عبد الأمير عجام، على جوهر الثقافة، بوصفها نشاطا اتصاليا واجتماعيا محرضا على قيم الخير والعدل والجمال، فهو بذلك لم يؤكد أهمية النقد ثقافيا وفكريا وحسب، بل قدم تطبيقا حقيقيا لفكرة "المثقف العضوي"، ولكن وفق منظمة معرفة منفتحة على التطور العلمي والانساني، انطلاقا من تلمسه قيمة الإنجازات العلمية في ميدان وسائل الاتصال وثقافتها.
وفي مجال التأثير الإيجابي للقيم النقدية التي رسختها مراجعاتها وكتاباته، يشير الراحل في واحدة من أوراقه، الى "الحفاوة التي استقبل بها نقدنا الأعمال الدرامية الناجحة، لما حملته من قيم متقدمة فنيا وفكريا سواء أكانت أعمالا عراقية كـ"الذئب وعيون المدينة" و"النسر وعيون المدينة"، او عربية كـ"الشهد والدموع" او "حتى لا يختنق الحب". فالواقع ان الأعمال الفنية الجيدة فرصة النقد الذهبية لتحقيق أهدافه، اذ تتيح للناقد مناسبة تطبيقه لتأكيد العلاقة الحميمة بين جماليات الفن وتقدم الفكر، فـ"في الذئب والنسر" مثلا، كنا نتابع نضح الشخصية الانسانية وامتلاءها بعافية روحية كلما تقدمت خطوة على طريق التحرر من الخوف والوعي بقيمتها وحقوقها البشرية، كما حصل لرحومي ولمرزوق ورجب، وفي "الشهد والدموع"، كانت تتصاعد وتتأكد حقيقة التفاعل الحتمي بين الخاص والعام، وتلك وأمثالها موضوعات تغني النقد التلفزيوني بمضامين تكشف عن جماليات انعكاس تلك القيم في لغة الفن تأليفا واخراجا".
واللافت في ريادة الراحل قاسم عبد الأمير عجام، عبر بحثه النقدي المتواصل لوسائل الاتصال المعاصرة، والتلفزيون في مقدمها، انه لم يتوقف عند النتاج الدرامي التلفزيوني، على أهميته، "اذا كانت الدراما التلفزيونية هي الأكثر اجتذابا للنقد فلأنها في الواقع الأكثر تأثيرا في الجمهور، ومن دعوتنا المستمرة لإغنائها بالأحلى والأعمق فنا وفكرا، غير ان الموقف النقدي السليم يتطلب التأكيد على تكاملها مع بقية أنواع الإنتاج التلفزيوني من برامج او منوعات"، فهو كتب في نقد برامج علمية وثقافية، كالبرنامج الرائد في التلفزيون العراقي " العلم للجميع"، وكتب ناقدا وبقوة، موجة الإسفاف في العروض الغنائية والموسيقية التي توجتها موجة "الفيديو كليب"، وتحديدا في مقاله البارز الذي استخدم فيه مصطلح " القطعان الراقصة"، في اشارة الى الابتذال والرخص في استثمار الإبهار الجسدي الأنثوي، الذي تعتمده الأعمال الغنائية والموسيقية السائدة.

نور النقد وظلام المشهد السياسي والثقافي
ويعود عجام لمراجعة قيمة ما كان يتصدى له من نشاط نقدي، فيكتب في ورقة اخرى "كثيرون يسألونني لماذا غاب نقدي للانتاج التليفزيوني الذي ثابرت عليه لسنوات متواصلة. وسعدت، وعذرا للانا، وانا أصغي لتأثير ذلك النقد فيهم وفي كيفية تلقي المادة التليفزيونية والدراما منها خاصة، وفي التفاعل مع رسالتها. وليست هي غبطة من يفاجأ بما لم يتوقع من تأثير انتاجه، فلقد كنت منذ أول مقال نشرته في مجلة "الاذاعة والتليفزيون" عام 1972 معرّفا بأهمية محاورة المادة التلفزيونية، واثقا ان التعامل النقدي معها هو تعامل مع أكثر وسائل التأثير التوجيهي فعالية وأوسعها جمهورا. وان النقد اذ يتوجه لدراسة الانتاج التليفزيوني، فإنما يخوض في احد ابرز مكونات النمط الثقافي السائد في أيه مرحلة. وهكذا كان، ولم يزل، مهما متابعة الدراما وبرامج المنوعات التليفزيونية والأفلام السينمائية التي يبثها التلفزيون ومواده الثقافية والأدبية والعلمية، وحتى برامج الحوار الفني والسياسي وبرامج التنمية، وما زلت عند ذلك الايمان، الذي سبق ان أكدته ببحث "النقد التليفزيوني في المشهد النقدي العام" وقدّم الى "ملتقى السياب الأدبي الثاني 3-1 اذار 1990 "في جامعه البصرة".
وهو اذ يركّز على المادة التلفزيونية لجهة ان "تأثيرها في مجتمع كمجتمعنا، أشد وأخطر مما هو في مجتمع متطور اتسعت فيه مصادر الثقافة، كالمجتمع الغربي"، لا ينسى الإشارة الى ما كتبته الناقدة الأميركية، ماري برات، حول "التوجه نحو مصادر الثقافية الجماهيرية، بوصفه من مهام النقد الملحة، وتخص التلفزيون بالذات، معتبرة ان التوجه نحو الأعمال الأدبية التي تتعاطاها النخبة، تفريط بفنون فعالة تركت بلا نقد، بينما يبقى النقد الموجه للنخبة بدون قراء".
وفي سنوات الضنك العراقية التي امتدت حصارات رهيبة، داخلية وخارجية، كان عجام يرد على سؤال "لماذا غابت متابعتك للتلفزيون ياهذا وتحديدا منذ سنتين تقريبا "؟ فيرد على المتسائل "انه ببساطة الحصار إياه ! اجل وتلك الحقيقة، منذ ان سرى الإنهاك الأميركي يفعل فعله في الطاقة الكهربائية في بلادنا، اذ حرمتني انقاطاعات الكهرباء وآلاف المشاهدين من متابعته: المسلسل التلفزيوني بشكل كامل. دائما هناك حلقات أغرقها الظلام، ودائما هناك حلقات لم أرها من برامج اسبوعية او ندوات طارئة تابعت نصفها او مجرد عنوانها واذا بجناح الظلمة يلف الشاشة ومن يتبعها ومن يقطع أنفاس المتكلمين. ولست ممن يرى ان من الممكن القول برأي في عمل دون بلوغ نهايته مهما كانت مقدماته من الوضوح".
ويزيد في قوله " كيف يمكن الكتابة، وصحفنا قد ضربها عصف الحصار إياه، فضيّق على حقولها الثقافية، فصار لزاما اختصار موادها، والنقد التلفزيوني بطبعه حديث متشعب في القصة والإنارة والموسيقى والتمثيل و الإخراج ، أفليست هذه احدى (مآثر) ظلامية (مادلين أميركا اولبرايت)، اذ تلحق المتابعة الاذاعية والتلفازية بالمجلات العلمية والكتاب ومصادر الثقافة الاخرى التي منعتها عن العراق ؟؟ فيا لخسارتي الفاجعة قبل خسارة ذلك المتلقي، يالحرقتي بين نار الإحساس بالمسؤولية وضيق الخير وسوط الظلام ! فلتكن هذه الكلمة ايضاحا لمن ظنّ ان انقطاعي عن النقد التلفزيوني زهد فيه او إحساس بلا جدواه.. هو وعد اذن بالعودة الى مائدة الحوار مع التلفزيون وجمهوره وعسى ان نجد في نور الحوار المثمر.. نور النقد ما يخفف من وحشه ظلمة يثبتها نفاق العصر الأميركي".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram