بغداد/ بي بي سي «لا نقوم باحصاء عدد القتلى»، هذا ما قاله الجنرال الامريكي تومي فرانكس الذي قاد قوات التحالف في حرب العراق عام 2003. وبعد اكثر من ستة اعوام ونصف من ذلك اكتسب هذا الامر اهمية فائقة اذ اصبح المعيار الذي يقاس به نجاح او فشل الحكومة العراقية.
 واعلنت الحكومة العراقية ان اعداد القتلى خلال شهر تشرين الثاني الماضي تراجعت الى ادنى مستوى لها منذ حرب عام 2003 كمؤشر على النجاح الذي حققته الحكومة في توفير الامن والحد من العنف في العراق، وبعد ثمانية ايام من ذلك وقعت خمس هجمات انتحارية متزامنة في العاصمة بغداد اسفرت عن مقتل واصابة المئات. الهجمات لم تستهدف رموز الدولة مثل الوزارات والمؤسسات الحكومية فقط بل شملت حتى المؤسسات التعليمية مثل الجامعات والمعاهد. هذه الهجمات لم تختلف عن تلك التي وقعت في شهري آب وتشرين الاول الماضيين من حيث حجم الدمار او اعداد الضحايا. رئيس الوزراء نوري المالكي الذي عزز موقعه السياسي بعد نجاح حكومته في تحسين الاوضاع الامنية في العراق منذ عام 2007 يتعرض حاليا لضغوط متزايدة بسبب هذه الهجمات باعتباره القائد العام للقوات المسلحة. وتعرضت صورة الرجل للاهتزاز بعد انقشاع الغبار الذي احدثته التفجيرات الاخيرة عن سماء بغداد وسيطرة الحزن على المدينة اذ بدأت تطرح اسئلة جدية واهمها عدد ضحايا الهجمات الاخيرة. فالعدد حسب المصادر الاعلامية الدولية والعراقية المستقلة تجاوز المائة بينما المصادر الحكومية الرسمية تقول انه 77 شخصا فقط وهذا التناقض ليس سوى حالة واحدة من حالات عديدة. فقبل ايام قليلة من هذه الهجمات وقع انفجار في احدى المدارس في مدينة الصدر حيث اعلنت مصادر الشرطة ان ستة تلاميذ قتلوا فيه بينما قالت الحكومة ان تلميذا واحدا فقط قتل. كما أن تغطية الانفجار في الاخبار قد اختلفت من وسيلة اعلامية الى اخرى حيث تناولته وسائل الاعلام الدولية على رأس نشراتها الاخبارية فيما لم يكد يذكر في نشرة اخبار قناة التلفزيون الحكومية العراقية التي ركزت على نجاح الكتل السياسية العراقية في التوافق على اقرار قانون الانتخابات، وجاء خبر الانفجار في نهاية النشرة الاخبارية ولم يحظ باكثر من 40 ثانية. الحكومة تقول ان ارقامها هي الصحيحة وانه لا يوجد ما يبرر التلاعب بها. بل ذهب مستشار الحكومة العراقية سعد المطلبي الى اتهام بعض وسائل الاعلام بمحاولة تفجير الاوضاع وبعضها الاخر بالسعي الى تضخيم اعداد الضحايا. وعبر المطلبي عن ثقته بالارقام التي تعلنها الحكومة لانها صادرة عن وزارة الصحة التي تتلقى المعلومات من المستشفيات. عقب الانفجارات الاخيرة بوقت وجيز تجول موفد بي بي سي على مستشفيات بغداد وتبين ان العدد الاجمالي للمصابين حسب المسؤولين الاداريين في وزارة الصحة اقل من بكثير من تقديرات الاطباء في المستشفيات الذي استقبلوا المصابين. الطبيبة تارا بركي اخصائية الجراحة صرحت بانها تعتقد ان الحكومة تحاول التقليل من مستوى العنف في العراق بقولها «هناك انفجارات يوميا واغلبها صغيرة وفي اماكن متفرقة ولا تحظى بالتغطية الاعلامية او تتستر عليها الحكومة». لكن المطلبي نفى هذه الاتهامات وقال «الحكومة لا تكذب واؤكد ان مكتب رئيس الوزراء لا يعلن عن ارقام غير صحيحة ولا مبرر للتلاعب بهذه الارقام لانه امر غير مقبول فحياة كل شخص هامة لنا». ورغم اقرار قانون الانتخابات بعد اشهر من الجدال والتدخلات والوساطات لكن العنف ما زال يملي قواعد اللعبة في العراق كما يبدو حتى الان. ونتائج الانتخابات القادمة وموعد انسحاب القوات الامريكية من العراق وقدرة العراق على جذب مزيد من الاستثمارات التي يحتاجها بشكل ملح تتوقف على استقرار الاوضاع الامنية على الارض او كما ينظر اليها. لكن الاحصاءات ليست مهمة ان كانت دقيقة ام لا بالنسبة للامهات العراقيات اللواتي ما زلن يفقدن ابناءهن.