1-2
من أجل شق صفوف الإنسانية ، لا يحتاج المرء لتحقيق ذلك في بعض الأحيان إلى الجهد الكثير. فحتى منتصف القرن العشرين كان يكفي لتحقيق ذلك نشر بعض البيانات أو الاعلانات، هذا ما رأيناه في العديد من الحركات الأدبية والسياسية، التي نشرت ما أُطلق عليه بالمانيفست، الحركة الدادائية أو السوريالية هي أمثلة بسيطة على ما جرى في تلك السنوات، وكيف أن المتلقين اختلفوا بتبنيهم وحماسهم لهذه الحركة أو تلك، حيث قوة البيان أو المرحلة الحقيقية. وهي الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي التي جعلت الأمر يختلف. لم تعد البيانات لها نفس المفعول. هذه المرة يكفي أن تكون هناك صور صغيرة. إحدى تلك الصور المشهورة تلك، التي فعلت مفعول المانفيستات القديمة، إذا لم نقل انها فافتها في التأثير، كان قد صورها المصور الصحفي السويسري رينه بوري في بداية عام 1963.
الصورة تلك التي دارت حول العالم مثلما دار خطر "شبح" الشيوعية ذات يوم كما كتب كارل ماركس في بيانه الشيوعي، عرضت تشي غيفارا الذي كان آنذاك وزيراً للصناعة ورئيساً للبنك الوطني في كوبا. في الصورة ظهر الكومانداتة الأسطوري الأرجنتيني الأصل، جالساً أمام قطعة ستارة وفي يده سيجار كوبي من ماركة لونسدال في الفم، في الصورة تلك التي طافت حول العالم وعلقها ملايين الشباب "الثوريين" في العالم على حيطانهم، بدا الدكتور سابقاً والمحارب الأممي في تلك الأيام، فخوراً لكن أيضاً مضطرباً إلى درجة كبيرة، يمكن تشبيهه بالنمر المشهور في قصيدة مشهورة للشاعر التشيكي ذي الأصل الألماني ماريا راينر ريلكة والتي حملت عنوان "النمر". أنها صورة تنبأت بما سيحدث لاحقاً. فبعد شهور قليلة من أزمة الصواريخ الكوبية المعروفة بين الولايات المتحدة الأميركية وكوبا، كما يقول تاريخ أخذ الصورة، بدا المصير المستقبلي للثوري الأممي كان قد حُدد مسبقاً.
المصور السويسري رينه بوري نفسه اعتقد أيضاً بأن الشخص الذي ظهر في صورته، تشي غيفارا كان على يقين من نفسه بأنه يحمل ما يكفي من "المادة المتفجرة" لعقود قادمة. "تشي غيفارا هو ما يزال الشخص الأكثر مكروهاً والنموذج المثالي الأكثر محبوباً في نفس الوقت في العالم"، اعترف رينه بوري في لقاء معه قبل ست سنوات. بهذا الشكل إذن وعن طريق صورة واحدة، عملها آنذاك المصور رينه بوري بتكليف من المجلة الأميركية لووك، جعل المصور الذي طاف اسمه هو الآخر حول العالم مع الصورة، جعل العالم ينشق على نفسه بين يسار ويمين، شباباً وشيوخاً.
كأن رينه بوري المولود عام 1933 في سويسرا في عائلة بعلاقات بسيطة، نذر نفسه ليكون مصور الانشقاقات في العالم. سلفاً في عام 1962 (عام واحد قبل أخذ صورة تشي غيفارا)، وبعد مرور عام واحد على بناء جدار برلين، نشر رينه بوري كتاباً مصوراً عن بدايات انشقاق العالم في ذلك الوقت. "الألمان"، كان العنوان الذي حمله الكتاب المصور، والذي كان بمثابة وثيقة مصورة تروي تفاصيل يومية لمجتمع ما بعد الحرب في الشرق كما في الغرب. الكتاب يحوي على صور من "نتانة زمن ما بعد الحرب"، كما علق المصور نفسه ذات يوم. من بدايات انطلاقة حركة الروك الرول في الغرب إلى الاشتراكية في الشرق. ربما ذكرت صوره إلى حد ما بالأسلوب الفوتوغرافي القوي لشريكه في المواطنة المصور روبرت فرانك. "الألمان" كما "الأميركان" (كتاب فوتوغرافي آخر له) تحولا إلى كتب كلاسيكية في التصوير في السنوات اللاحقة، إذا لا نتحدث عن صورة تشي غيفارا الأسطورية.
الثوري ومصوره
[post-views]
نشر في: 2 ديسمبر, 2014: 09:01 م