(2-2) وقع الفنان العراقي بعد الاحتلال الاميركي وما رافقه من تلون وتغير في الأقنعة للعديد من الوجوه في حيرة وارباك بحكم الفوضى الخلاقة التي اشاعها ابناء ومرافقي وصنائع العم سام لذا غادر منهم من غادر وبقي منهم من استطاع الصمود والثبات , ولأن ا
(2-2)
وقع الفنان العراقي بعد الاحتلال الاميركي وما رافقه من تلون وتغير في الأقنعة للعديد من الوجوه في حيرة وارباك بحكم الفوضى الخلاقة التي اشاعها ابناء ومرافقي وصنائع العم سام لذا غادر منهم من غادر وبقي منهم من استطاع الصمود والثبات , ولأن المؤامرة اكبر من حدود العراق وسوريا فقد شهد العراق في سنواته العشر مدا من الازمات والاحتراب والاقتتال وفاق عدد شهدائه عدد شهداء الحرب الكارثية ما بين العراق وايران والتي أخذت من عمر العراقيين ومن احلامهم ثماني سنوات لنعود الى كأن الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ! وصار الموت امرا عاديا لكثـرة وقوعه وأصبح الغريب والمدهش عودة رب الاسرة في اخر النهار الى بيته سالما، فكيف تكون الدراما وكيف تصاغ وتبنى حبكتها في ظل هكذا فواجع ومآسي ومحن !!
لابد من أن يتأثر الانتاج الدرامي بكل هذه الأوجاع ولابد أن تلعب الايديولوجيات دورا في فرض حالها على الاعمال الدرامية وكتابها وبذلك لابد من تسييس تلك الاعمال وتوجيهها نحو وجهة واحدة تبنى على تقليب المواجع ونكء الجروح والتأليب على الثأر والبغضاء وبث روح العنف والكراهية والانتقام فكانت النتائج قتلا واختطافا وانفلاتا امنيا واخلاقيا . كيف لا والدراما مؤثرة وفاعلة وهي سلاح ذو حدين لابد وان يحسن استخدامه بوعي وحرص ودراسة للنتائج وابعادها ورصد للتأثيرات واصدائها . وقد ظهر هذا جليا في الانتاج الدرامي لعدد من الفضائيات العراقية والتي عملت وفق أجندات لها أبعادها وأهدافها وكان الفنان العراقي المضطر منهم أوالعارف بما يفعل ، لكن الصورة ما تزال مضببة أمامه، ضحايا هذه القنوات الفضائية واعمالها الدرامية القصدية في أهدافها ,ولعل شبكة الاعلام العراقي قد أدركت في السنوات الثلاث الاخيرة أهمية المسلسلات والأعمال الدرامية وتأثيرها العميق على المتلقين فعمدت الى التخطيط ووضع الضوابط للنهوض بالدراما العراقية بما يجعلها قادرة على إشاعة روح المواطنة الحقة والتأكيد على اصالة الانسان العراقي وتذكيره بجذره ومنبته الوطني والاخلاقي والانساني فكان أن انطلقت الشبكة ، وكان لها خلال السنوات الثلاث الاخيرة الاولوية في انتاج وتقديم الاعمال الدرامية الهادفة التي تنوعت في توجهها ما بين اعمال اجتماعية رصينة واعمال تأريخية وأعمال تراثية وأخرى تستمد متنها الحكائي من تأريخ العراق السياسي ونضاله الوطني وما شهده في الحقبة السابقة ومن ثم اللاحقة من تغيرات ونكبات وانقلابات , وقد كان لشبكة الاعلام العراقي الدور الكبير في تحريك عجلة الدراما العراقية بإنتاج أعمال درامية اختلفت في مستواها الفني والفكري والجمالي لكنها استطاعت أن تحقق حضورها وتبشر بشيء من العافية ورغم الملاحظات وبعض سهام النقد التي وجهت الى بعض اعمالها ، ولاسيما لموسم 2014 ووصفها بالضعيفة لاسيما وان تلك الاعمال قد ركزت وغذت بشكل ملحوظ مشاهد العنف والقتل والتعذيب , علما أن شبكة الاعلام قد رصدت ميزانيات ليست بالهينة لانتاج تلك المسلسلات ولكنها أناطت انتاجها الى بعض الشركات الفنية التي لم تكن على مستوى من الكفاءة والخبرة وغلبت الربح والمنفعة المادية على حساب قيم العمل الفنية والجمالية وحتى على حساب النوعية والجودة وقدرة المنتوج الدرامي على الثبات والمنافسة أمام المنتوج الدرامي العربي ولاسيما على مستوى الاداء واختيار المواقع وتوفير مستلزمات العمل واحتياجات الكوادر العاملة فيه , لقد عمد بعض المنتجين المنفذين لاعمال شبكة الاعلام العراقية الى اذلال العاملين وتهديد البعض منهم بالابعاد والحرمان من اي مشاركة أو فرصة عمل ان هم تجرأوا على الاعتراض على الاجور الممنوحة لهم وطالبوا بالأجور الحقيقية المرصودة لهم من قبل الشبكة وفق اللوائح التي اقرتها ووجهت بها , وقاموا بالتدخل في اختيار المواقع وحصرها في أماكن محدودة وتضييقها في فضاءات محصورة ما جعل الاعمال مقزمة وفقيرة. وعوضا عن الاستعانة بالكفاءات والقامات المتميزة لرفع مستوى الاداء تم الاكتفاء في أكثر الاحيان في بعض المسلسلات المنتجة بالصف الثالث من الممثلين لأدوار رئيسة لاسيما في مسلسل غطت اعلاناته شوارع العاصمة بغداد بل أن المنتج المنفذ شغل الأقارب والأصدقاء ورواد المقهى توفيرا للمال وقد ظهر ضعف المسلسل جليا عند عرضه ، علما أن الشبكة كانت تعول عليه كثيرا بوصفه قد كتب بطريقة جيدة على مستوى الحبكة والصياغة وادارة الاحداث ,ولان حكاية هذا المسلسل ما زالت تأثيراتها السلبية باقية في الحياة الاجتماعية العراقية وما زال تأريخها قريبا وباقيا في الذاكرة الجمعية , ولقد استعانت بأسماء لمخرجين عرب ولمخرجين عراقيين ولكنها لم تنفتح على أسماء أخرى كان من الممكن الاستعانة بخبرتها وكفاءتها لتقديم منجز عراقي ينتمي للبيئة العراقية من خلال عيون محايدة راصدة وخبيرة , ونحن لسنا ضد الاستعانة بالكوادر الاخراجية أو الفنية المتميزة والمعرفة من الاشقاء العرب لاهمية تكريس التعاون العربي المشترك على المستوى الفني والمهني لاسباب قد يكون أبرزها :
1 _ الاستعانة بالقدرات العربية يساعد على تدريب وتهيئة كوادر عراقية متميزة من خلال زجها في المسلسلات المنتجة والتي تقودها تلك الخبرات العربية المشهود لها بالمقدرة والجدة ما دمنا لانعمل على توفير فرص لإيفاد الطاقات الشبابية من خريجي معاهد وكليات الفنون الجميلة في دورات عربية أو أوروبية في مجال تخصصهم مخرجين او مصورين اومصممي ضوء أو تقنيي صوت .
2 – الكوادر العربية المتميزة تساعد على انتاج مسلسلات عراقية تدفع بالمنجز العراقي الى المقدمة وتشرع أمامه أبواب التسويق عربيا وبذلك نمنح العمل العراقي فرصة العرض والمشاهدة من خلال القنوات العربية ذات الحضور الواسع على مستوى الوطن العربي .
3 _كما أن الاستعانة بالكوادر العربية تساعد على كسر حاجز العزلة التي ضربت طوقا على الاعمال العراقية وحالت دون عرضها في القنوات العربية المتميزة .
4 _ خلق حالة من التنافس الايجابي مابين الكوادر العراقية المتميزة وما بين الكوادر العربية الكفوءة والعاملة على الارض العراقية .
استطاعت شبكة الإعلام العراقي أن تستقطب العديد من الفنانين العراقيين وأن تفتح أمامهم الابواب على سعتها للعمل والابداع دون حذر أو تشكيك أو اشتراطات قسرية لكنها لم تتدخل --وهي صاحبة رأس المال- في توزيع فرص العمل بالتساوي والتكافؤ بين العاملين من رواد وشباب فكان ان تكرر ظهور عدد من الوجوه في اكثر من مسلسل وغاب أو غيب وبشكل قصدي عدد آخر وقد أثر ذلك سلبا في طبيعة الأعمال المنجزة وحرم طاقات عراقية مبدعة من حقها في العمل والانجاز في وطنها , وأوجد حالة من الالتباس لدى المتلقي بسبب وجود ذات الوجوه وحتى بذات الأزياء والمكياج تتقافز بين هذا العمل وذاك العمل لاهثة ومتعبة دون فرصة لمراجعة ما تؤدي في المسلسلات المقدمة , مع كل ما تقدم من ملاحظات توجب علينا التطرق اليها ووضعها أمام الأنظار , فإن هذا لايقلل من قيمة المنجز الذي تنهض به شبكة الإعلام العراقي التي تسعى لتطوير الانتاج الدرامي التلفازي ليقين القائمين عليها بأهمية الدراما في التوعية والتثقيف والتنوير ولان الشريط الدرامي حين يكون عملا رصينا مدروسا ومعتنى به سواء أكان مسلسلا في حلقات متتابعة أو حين يكون سهرة تلفازية مستوفية لشروطها الفنية والجمالية انما يوثق ويؤرخ لمرحلة ومسيرة ويصنع ذاكرة الأوطان اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ويؤشر لطبيعة مرحلة وتحولات كما وأنه يضيء صفحات الإبداع العراقي بكوكبة من الفنانين والفنيين المجتهدين والمؤثرين في صنع وصياغة حركة درامية ترتقي بالذائقة وتشيع قيم الجمال والمواطنة.