في تمازج بين روح الموروث التأريخي وتقنيات الإبداع التشكيلي المعاصر ، قدم لنا الفنان العراقي المغترب في إسبانيا ( الدكتور كاظم شمهود ) تجربة جمالية جديدة في معرضه الأخير " أوجاع عراقية " الذي أقيم على قاعة المركز الثقافي العراقي في العاصمة البريطانية
في تمازج بين روح الموروث التأريخي وتقنيات الإبداع التشكيلي المعاصر ، قدم لنا الفنان العراقي المغترب في إسبانيا ( الدكتور كاظم شمهود ) تجربة جمالية جديدة في معرضه الأخير " أوجاع عراقية " الذي أقيم على قاعة المركز الثقافي العراقي في العاصمة البريطانية لندن . إذ حاول الفنان أن يقدم من خلال مجموعة من لوحاته تجسيدا للوجع ومعاناة الإنسان العراقي برؤية حداثوية تبتعد عن المباشرة وترتكز على قوة الرمز التعبيري ، فهو يقف بوضوح مع قضية الإنسان واستلابه جاعلا من الفن صرخة احتجاج واعية تحرك مشاعر المتلقي وتستفز روحه بما تثير من أسئلة عن مغزى هذا الإبداع الذي هو خلاصة تجاربه واشتغالاته في مجال الحفر والطباعة ومزاوجا بين العديد من الأساليب والتقنيات الحديثة ، التي ادخلها مختبره الإبداعي وأعاد صياغتها كمنجز إبداعي ، من خلال مناهج بصرية وتشكيلية تقترب من روح التجريد والمعاصرة ولا تبتعد عن روح الواقع في بساطتها وطفوليتها التعبيرية ، فخطوطه الحادة فوق تمازج العناصر الطباعية والمحفورة بعناية العارف مصحوبة بكولاج بقايا الصحف فوق توازنات لونية مطبوعة بكتلة بناء هندسي يستمد من المستطيل دلالته ، ومن تداخل شفافية اللون المطبوع وقتامة التداخل اللوني وقوة الخطوط السوداء الحاده في رسم أجزاء جسدية بشرية وأياد . ليعبرعن روح الواقع بواقعية الرمز . كل تلك الاشتغالات جعلتنا نقف أمام عملية مزاوجة إبداعية لمجموعة من العناصر البنائية لتأسيس لوحة حداثوية لا تبتعد عن الواقع المعاش ، بل تحاول جاهدة إعطاء بعد ثيمي للخطاب التصويري بغية تفجير البنية الدلالية المكثفة للرمز الإيحائي عبر مجموعة متناسقة من الثيم تتكامل في أشكالها وتنوعاتها . وهنا تكمن مقدرة الفنان المبدع في دمج الجزئيات الدلالية ضمن مضمون أوسع وتنظيمها بشكل ومسار توليدي لروح المعنى كي يبدع معاني لا متناهية في تعبيريتها.
ف (الدكتوركاظم شمهود ) تبلور إبداعه فكريا كما نرى من خلال معايشته الواعية للحركة التشكيلية الإسبانية المعاصرة وثراء عطائها ، والتي امتازت بذلك الدفق الحار والتبابين الملحمي في إسقاطات النور على الكتل المظلمة . هذا التأثر جعل الفنان بوعي تام ينتمي لثقافة ( السينتوجرافي) في الدمج الواعي والعضوي بين روح المنظر العام وبين روح التكوينية ، فهو القادم من حضارة وادي الرافدين التي تعتمد التعبير بشكل مكثف و جامع بين الرمز والواقع، ليقدم لنا تلك اللوحات المسطحة وكأنها صفحات من كتاب معد للقراءة بأكثر من معنى . ولا ننسى اشتغالاته في مطلع شبابه في مجلات الأطفال ( مجلتي والمزمار ) وما أسست في وعيه من روح التندر والفكاهة والعفوية . ودراسته لتاريخ الفن الإسلامي وفنون الجداريات والمداليات ، جعلته يوسع أفق موائمة عناصر الاشتغال التشكيلي للخروج بتجربة جامعة .
فهو يداخل بين البعد الدرامي الذي يعكس الحالة النفسية عبر معالجات سطح اللوحة ومجموعة (الكادرات ) داخل بوتقة واحدة. وفي التخطيط الواعي لاصطياد حركة العين على المثير في سطح اللوحة لأثارة اكثر من سؤال في مغزى العمل الإبداعي . من اجل تحقيق نوع من العمق الديناميكي دون التوسل إلى المنظور البصري الاكاديمي .
فالفنان (شمهود ) يوائم بوعي عالٍ وبقصدية بين الواقع وقدرته التعبيرية ، وبين خلود الفعل الجمالي والزائل الخاطئ في بعده الصوفي ، بالاشتغال على علة الراسخ والأثيري وفق منطق محافظ و منضبط في احتجاجه الواعي . فهو يحرك الإيقاع السكوني بشكل طولي وبإيقاع عرفاني ديناميكي لتفسير جوهر الفضاء المعماري لا بل يتجاوز الفضاء المحدود إلى فضاءات كونية أوسع .
إن معرضه هذا يقدم تجربة إبداعية وجمالية تحتاج لأكثر من استعراض صحفي سريع لفهم مقاصدها الإبداعية .إنها لبنة في رحلة أبداع استمرت سنوات في مدار الاغتراب وبقى الوطن هو قطب الرحى في استلهام الهموم ، أثرت وتأثرت بما صادفت وما وعت من تجارب إنسانية تحاول وبإخلاص ان تقف في وضوح ودون مواربة مع هموم الإنسان وإنسانيته.