TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قفاصة.. وعلاسة 

قفاصة.. وعلاسة 

نشر في: 5 ديسمبر, 2014: 09:01 م

قبل سنوات ، وفي نهار ممطر ، نزل ضيفان غريبان على احدى قرى اطراف بغداد وقصدا منزلا بعينه ليبلغا أهله الذين فقدوا ابنهم في الحرب العراقية الإيرانية دون معرفة أي خبر عنه بانهم قادرون على إعادته لهم مقابل أربعة أكياس من الطحين وكيسين من التمر ..وقع الخبر على اهل القرية كالصاعقة فاجتمعوا رغم المطر والوحل في منزل اهل المفقود ليتبينوا حقيقة الأمر ..كان الضيفان واثقان من كلامهما وعززاه بمعلومات كاملة عن المفقود وابلغا اهله سلامه ومطالبته لهم بتنفيذ طلبات الضيفين لينال حريته ويعود اليهم كما عاد كثيرون غيره–على حد قول الضيفين –وكانت حجتهما ان القادرين على تهريب الاسرى من الاراضي الايرانية يحتاجون الى المؤونة اكثر من المال لأنهما يسكنان قرية نائية على الحدود العراقية –الايرانية وبان الضيفين يقومان بايصال هذه المؤونة اليهم مقابل استلام الاسرى وإعادتهم الى أهلهم ..عاشت اسرة المفقود لحظات من الفرح المغمس بالأمل برؤية ابنهم وصدقوا رواية الضيفين لما قدماه لهما من معلومات وافية عن المفقود ومنحاهما طلباتهما على أمل عودة ابنهم اليهم ، وطالت رحلة الانتظار وبدأ الأمل يتسرب رويدا رويدا ثم انطفأ تماما حين ورد الى القرية نبأ وجود ( قفاصة ) يتجولون في القرى ويجمعون معلومات عن الاسرى والمفقودين ثم ينسجا روايتهما المحبوكة على اهاليهم ليحصلوا على الطحين والتمر فالحصول عليهما مضمون اكثر من المال لذا يكتفيان بهما ثم يقومان ببيعهما في أقرب سوق جملة !!
وقتها ، انتشر قفاصة بأنواع عدة وتمكنوا من النصب والاحتيال على المنكوبين خصوصا ممن يتعلقون بأي أمل يمكن ان يعيد اليهم احبتهم المفقودين ...وفي السنوات الأخيرة، تكرر الامر مع المعتقلين فكم من عائلة دفعت الكثير من المال لاشخاص يوهمونها بقدرتهم على اخراج المعتقلين وإعادتهم الى اهاليهم ويعمد هؤلاء ( القفاصة ) بالتأكيد الى وصف ملامح الشخص المعتقل وسرد قصة اعتقاله او اختفائه لتنطلي حيلتهم على اهله وحقيقة الأمر انهم يجمعون تفاصيلا عنه من الجيران او الاقارب وبعد ان يأخذوا ( المقسوم ) يختفون وينقطع معهم خيط الأمل الكاذب ...
وليت الأمر اقتصر على القفاصة فهم يبيعون الوهم بالمال لكن ظهور ( العلاسة ) صار اكثر خطورة وايلاما لأنهم يبيعون الوهم بالمال والدم فهم يقومون باختطاف الأشخاص لأسباب مادية او طائفية ثم يتفاوضوا مع أهاليهم فيطلبوا مبالغ كبيرة مقابل اطلاق سراحهم وتنتهي عملية الابتزاز غالبا بالحصول على المال من أهالي المخطوف ثم قتله ورميه في أقرب كومة نفايات ليستدل عليه اهله !!
بهذه الطريقة ، تبقى مشاعر العراقيين وآلامهم وترا يعزف عليه ( القفاصة ) و( العلاسة ) ويفقد المواطن العراقي ثقته بقدرة السلطات على حمايته منهم وبنجاته من مواقف يتعرض فيها (للتقفيص او العلس او الاختطاف ) خاصة وان تلك الظواهر صارت من سمات رموز السلطة ذاتها فمن اخترعوا مايسمى ب( الفضائيين ) هم قفاصة تمكنوا من استلاب أموال الشعب لأطماعهم الخاصة ، ومن شكلوا عصابات للخطف والابتزاز لأغراض مادية او طائفية هم علاسة تمكنوا من استلاب أمن المواطنين واسترخاص دمائهم ..وبعد أن كان قفاصة السنوات الماضية يكتفون بالطحين والتمر مقابل الامال الكاذبة ، لم تعد خزينة الدولة ولا دموع ودماء العراقيين تكفي لإشباع نهم قفاصة وعلاسة اليوم ،فهم يختبئون في معطف السلطة ولا يمكن الخلاص منهم الا بإخراجهم منه ومحاسبتهم قبل أن تتناسل منهم عصابات جديدة ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    تعرفون ويعرف الكل ان العلاسة اليوم في العراق هم اعضاء دولة الفافون ولكنكم لاتريدوا ان تفصحوا عن ذلك لانكم تخافوا هؤلاء وخوفكم لربما ان يكون مبررا لان هؤلاء لايزالوا اصحاب القرار وهم الذين يديروا ادارة الدولة ولكن لايكون مبررا ان لن تعملوا على كشف حقيقة هؤ

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram