اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بصريون في بيروت

بصريون في بيروت

نشر في: 6 ديسمبر, 2014: 09:01 م

لم يسقط الثلج على بيروت، وكما هي منذ مطلع الشتاء ظلت شوارعها في الحمرا ساخنة، فالشمس لا تنسى تشرق وتتأخر في مغيبها الدافئ الندي. ومنذ دخلتها مدعواً الى المركز الثقافي العراقي ومتفرجاً على معرض الكتاب في ضاحية البيال المنخسفة شجرا ومركبات، كنت أتوقف عند مشهد لا ينفك يسائلني: ترى لماذا لا يحدث هذا في بغداد والبصرة؟ مستثنيا الموصل التي بيد داعش والغبراء. كانت المقهى علامة فارقة في بيروت وفي الحمرا خاصة. وحين مددت عنقي متلصلصا، متطلعا في وجوه جلّاس مقهى التاء المربوطة وجدت ذراعها تطوق كتفه، لا اعلم ما اذا كانا حبيبين، زوجين ... كان الوله بادياً والشوق طافحٌ عارمٌ، لكنها حين قبلته في وجنته احسست بان الارض باردة، تتسع بالفتية العشاق، وهي اولى بمن عليها من المحبين والمغامرين على طريق النور والامل .
وفي مبنى السفارة العراقية بضاحية الرملة البيضاء، حيث استقبلنا السفير رعد الآلوسي صارت بيروت اكثر الفة، كانت ابتسامته ارق واجمل من المبنى الجميل، القريب من البحر، لكنني، ودونما سبب تذكرتُ بلقيس الراوي، ابنة الاعظمية الهائلة، زوج الشاعر السوري نزار قباني التي فجع بها هنا، حيث بعثرت جسدها مع من كان معها اطنان البارود ذات يوم في ثمانينات القرن الماضي. كان الالوسي دبلوماسيا محترفا، عمل اكثر من اربعين سنة في الخارجية ، يحب الشعر ويقرضه احيانا.
ظلت اذرع الصبايا الباذخة في مقهى التاء المربوطة تطوقني حيثما حللت، وفي اي مكان ضمني، ومن فرجة في قميصهن كنت اتطلع لبيروت وهي تندى وتتموج، ومن بين اذرعهن كانت البراءة تتقدمني عطرا ومهابة، ولأنهن تركن شعرهن تائهاً سرمدياً على الاكتاف واللابتوبات وبين الطاولات منهمرا على المقاعد والصحف كنت اسرّحُ البصر ناحية البحر فيرتد طرفي الي خاسئا وهو حسيرٌ منكسرٌ فاقول: بيروت من تعب ومن ذهب واندلس وشام كما كان محمود يصفها، غير أن حضور اصدقاء، شعراء وكتاب عراقيين ولبنانيين وحديثا جادا في الثقافة والسياسة، جرني الى ما لم يكن في مدونة روحي فصمتُّ، صمتُّ ومرت الساعات الطوال الثقال قبل أن تقودني خطاي الى سريري في السيزر بارك هوتيل، الذي علمت فيما بعد بان الطريق له تهبط مزحومة بالذكريات الى مقهى كوستا حيث كانت تجلس العظيمة فاطمة المحسن.
سرّني اني التقيتُ العزيزة الجميلة رشا فاضل، التي كانت سببا في دعوتي لبيروت، وحين قرأت اهداءها، المنقوش بعناية على صفحة روايتها الموسومة (على شفا جسد) حيث كتبت: الى عطر امي البصرا، الى ابي الخصيب ، الى الشعر وهو يزهو فوق النخيل، الى طالب عبد العزيز حتماً. كتبت( البصرا) هكذا كما يلفظها الاهل البصريون، فهي كما في افواه غيرهم، احسست بان دفقاً من ماءٍ حلو عذب سرى في شرايني، لكنها حين قالت بان امراة بصرية من ابي الخصيب، كانت تسكن جوارهم في تكريت قد ارضعتها وهي طفلة في مهدها، كانت تقول هي امي، وغالبت، غير قادرة دمعة تحدرت من عينيها الزرقاوين، انتابني الم من وطن يحاول احباؤه الابقاء عليه يقظاً. ظلت رشا تحدثني عن طفولتها في البصرة، لكني كدت انحني معها باكيا وهي تقول بانها، وفي عودتها الاخيرة من هناك كانت قد عبت جيوبها ترابا، هكذا دونما شعور بالعودة اليه ظلت تعبئُ ثيابها من ذاك العبق المالح الندي.
لم تبلغ احزاني شوطها كله فقد تمكنت العزيزة خلود الفداغ، ابنة الطبيب المشهور داود الفداغ، البصرية، الخصيبية جداً، زوجة الاستاذ نزيه، من لملمة آلامي هناك، فقد اخذنا الحديث الى قرية الفداغية، اقصى جنوب البصرة، والى كوت الفداغ في ابي الخصيب والى الزبير والاسر النجدية التي سكنت البصرة منذ عقود وعقود، وخلال وقوفنا الطويل بين الارفف والطاولات داخل معرض الكتاب، كان الحديث يتجوسق نخلا وانهارا وماء لقاح وحلاوة نهر خوز.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram