إنه لأمر مرعب أن"تنفصل"البصرة! ولذلك فعلى البصريين المتحمسين لإنشاء إقليم، أن يتلقوا برحابة صدر شتى أنواع الاتهام. ان نصف"حروف العراق"يمكن ان تمحى لو انفصلت البصرة، فهي احدى"العراقين"، ورئة ارض السواد، بحرا ونخيلاً وشعرا خالداً منذ الفرزدق، و.. نفطا زائلاً كذلك.
ولهذا يحتاج الأمر ان نقوم بأشياء كثيرة، منها ان نعيد صوغ الفرضية: كيف نشجع البصرة على البقاء ضمن العراق؟ وهذا سؤال يمكنكم تطويره: كيف نقنع الموصل، والأنبار، وأربيل نفسها، بالبقاء ضمن العراق؟ إننا نناقش احتمالات مرعبة ولا شك، ولكن، هل هناك شيء غير مرعب في بلادنا اليوم، وهل يسعنا ان نتهرب من الأسئلة الكبيرة؟
بعد ان تبادلنا الشتائم يميناً وشمالاً، هل حان الوقت لشتم البصاروة بوصفهم انفصاليين وخونة وسراق، بما يكفي لتبديد قول شائع عن"طيبة البصري"؟ إنها نتيجة طبيعية لا تخيف أحدا. فهذا نقاش يخوضه شعب ينزف دما وينظر بغموض إلى المستقبل بلا تنمية سياسية كافية، وهو يواجه اخطر تحدياته الوجودية، لكن هذه الأوقات توفر الصدمة الكافية لطرح الأسئلة. ان المراجعات الحاسمة تتم في اصعب الأوقات.
أول الصدمات الضرورية هي ان نفكر بأن الفيدرالية ليست بالضرورة سببا للتقسيم، بل نمط حديث للإدارة السياسية، لكن الظلم اذا استمر، والفشل اذا استمر، فسيكونان سببا ضروريا للتقسيم والموت والفقر المدقع.
في البصرة اليوم عشرة بالمئة من سكان العراق، أي ان حصة إقليمهم المفترض عشرة مليارات دولار، لو كانت الموازنة مئة. في العام الماضي طلبوا خمسة ولم يحصلوا على اثنين. هذه السنة طلبوا سبعة وقد لا يحصلون على ثلاثة. نخيلهم يموت وساحلهم بلا تطوير منذ خمس عقود. ووسط تغيرات الدنيا وتحولات المنطقة، لماذا نفترض ان البصريين سيصمتون مع ان الدستور يمنحهم حق تشكيل إقليم؟ والموضوع لا يتعلق بالمال فقط، فاذا أرادت الحكومة المحلية المنتخبة إنشاء طريق سريع للميناء، توجب عليها تقديم خطة وانتظار موافقة بغداد، وقبل سنة قامت بغداد بتجميد مشاريع بصراوية قيمتها مليار دولار! لا أحد منحهم الصلاحيات، ومن المنطقي ان يتحركوا.
المطلب الفيدرالي في البصرة عمره ٩٥ عاما حيث تجمع تجارها الكبار في حزيران ١٩٢٠ وصاغوا ملاحظاتهم على مشروع المملكة العراقية بطريقة متحضرة جدا. لم يرفعوا السلاح ولم يتشاتموا ويصرخوا بل عمدوا الى الطريقة"البصراوية المهذبة"فقاموا بتوكيل مكتب محاماة شهير مقره لندن وعرضوا عليه ملاحظاتهم ومقترحاتهم كخبراء في الملاحة البحرية وخطوط التجارة وفهمهم الناضج للعلاقات الخارجية والوضع في عالم ما بعد الحرب الأولى. وقام المكتب بصوغ تلك الملاحظات على شكل دستور أولي مقترح ينظم العلاقة بين بغداد والبصرة بنمط فيدرالي حديث حتى بمقاييس زماننا هذا. وسأحرص على قراءته مجددا ونشره مستفيدا من كتاب الباحث النرويجي رايدر فيسر"البصرة.. الدولة الخليجية التي لم تتأسس"أو العنوان الذي اختاره الأستاذ سعيد الغانمي حين ترجم الكتاب عام ٢٠٠٨"الجمهورية الخليجية الفاشلة".
البصريون ختموا وثيقتهم القديمة بعبارة تستحق إعادة الترديد"لا يرغب أهالي البصرة في شيء غير الخير لأهالي العراق، ولا شيء أحب اليهم من أن يسيروا وإياهم جنبا إلى جنب على أسلوب تعود منه الفائدة على الفريقين وعلى العالم عموما، ولكنهم يعتقدون بأنه لا يمكن الوصول إلى هذه النتيجة إلا بمنح البصرة استقلالا"أو وضعا خاصا داخل العراق.
وللمهتمين يمكن مراجعة الرابط الآتي، حيث نشر نص وثيقة"اتحاد ولايتي العراق والبصرة".
http://www.imarawatijara.com/decentralization_basra/
بصريو هذه الأيام يقولون شيئا مشابها، لكن عليهم فعل الكثير ليصوغوا مطالبهم بنفس الرقي والحذاقة، ويقدموا درسا مختلفا في السياسة والتدبير والتفاوض الصبور، وسأواصل في المقال القادم إثارة الاعتراض والمخاوف والمبررات والمقترحات، لأن هذا سجال يهم المصالوة والبغادة، كما يهم البصريين، فهو استئناف نظر في معنى السلطة، وتأمل في قرن مرتبك مضى.
موسم شتم البصاروة (1)
[post-views]
نشر في: 6 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
هل يعتقد البصراويين ان اقليمهم ممكن ان يكون شبيها بالاقليم الكردي اقليم الشمال لايشبه البصرة انهم قومية واحدة ومذهب واحد وتضحياتهم كبيرة من اجل الاستقلال اما البصراوي مذاهب واديان واحزاب متصارعة والكل يقول انا الافضل وانا لي الاحقية في قيادة هذا الاقليم ف