اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > أهريمان.. كودات الدلالة المغلوطة

أهريمان.. كودات الدلالة المغلوطة

نشر في: 8 ديسمبر, 2014: 09:01 م

بالأمس شاهدنا عملاً مسرحياً من فئة المسرح التعبيري الراقص أو ما يسمى بفنون الكوريغراف بعنوان ( أهريمان ) ، وهذه التسمية جاءت من الشيطان أو روح الشر في الديانة الزرادشتية ، وفي مكان آخر جاءت هذه التسمية بنفس المعنى وأنه في حرب دائمة مع إله الخير المسم

بالأمس شاهدنا عملاً مسرحياً من فئة المسرح التعبيري الراقص أو ما يسمى بفنون الكوريغراف بعنوان ( أهريمان ) ، وهذه التسمية جاءت من الشيطان أو روح الشر في الديانة الزرادشتية ، وفي مكان آخر جاءت هذه التسمية بنفس المعنى وأنه في حرب دائمة مع إله الخير المسمى أموزد وسينتهي الأمر بهزيمة أهريمان وغلبة الخير المحض على العالم فلا يكون للشر وجود ، قام بتقديم هذا العمل الفنان الشاب علي دعيم تصميماً وأداءاً وإخراجاً بمصاحبة مجموعة من الشباب المسرحي الواعد .
كانت الثيمة المنشودة للعرض واضحة للمُشاهد بشكلها العام لكنها التبست في التفاصيل ، حيث سارت مدلولات المعنى في إتجاهات مختلفة متفككة سببت الحيرة في التفسير الكامل للأشكال التي إنبثقت من الحكاية ، فمستوى التصميم الحركي ورسم الحركة التعبيرية كان بسيطاً موحياً لكنه وبشكله العام كرقص تعبيري يظل قاصراً عن إيصال المعاني المرجوة لما يتّسم به أصلاً من صعوبة في التواصل مع الآخر الذي ليس من الضرورة أن يكون متخصصاً ، ومايعمّق ويعزز إيصال فعل الحركة بمجملها على المسرح نضع عاملين مهمين سوف يتركز حديثنا حولهما في هذه القراءة النقدية التقنية للعرض ١- الأزياء والإكسسوار ٢- الإضاءة . ولأن الدلالات المكانية لحدث الفعل واضحة متمثلة بأحد الأسطح لأحد المكانات ، بيت ، دائرة ، شركة .. الخ ، لكن لنتفق أنه سطح بيت وذلك لتوحيد الدلالة المقصودة من ذلك والمتعارف عليها ، سطح بيت وفيه سلالم وأبواب تؤدي اليه وتصعد منه ، كذلك خزان ماء وحبل لنشر الغسيل ، إضافة الى الجمهور الذي تم وضعه في مكان الأحداث كمشارك حيث إنطلقت بداية العرض من صالة الجمهور ، وهنالك مستويان أفقيان للأرضية أحدهما الخشبة نفسها وقد تم تقطيعها على شكل أرضية السطح المتعارف عليه بشريط أسود ، والمستوى الآخر هو عمق الخشبة الذي إنسلخ من واقع الى إفتراض وذلك بإحاطته باللون الأسود كاملاً ( مستوى مصنّع بإرتفاع ٦٠ سم وعرض مترين على عرض الخشبة من اليمين الى اليسار ، لغرض فرز الحدث في منطقتين منفصلتين واقعاً وفكراً وفعلاً ) . إشتبهت الرؤية لدى القائمين على العرض منذ البداية حيث عرض لنا المخرج جمهوراً من الناس يمارسون أفعال حياتهم اليومية في الزراعة والنجارة والتبادل التجاري وكان عليه هنا لغرض توكيد دلالات صحة المجتمع وسلامته ومساره الخيّر ، إستخدام الألوان الزاهية للأزياء كالتيشيرت مثلاً حتى تتوكد الدلالة المنشودة من كل فعل الشغل المسرحي وبشكل قصدي وليس كما ظهرت إعتباطاً قسرياً ساهم في تشويش إيصال المعنى ، وبنفس الوقت كانت الإضاءة تعمل في وادٍ مختلف لمعطيات الأحداث فوق المستوى الخلفي مما يشير الى عدم دراية المصمم بمهام الألوان وخطورة إستخدامها في هذا الموضع لأنها أفسدت من قيمة الطروحات الفكرية العامة لكل الأفعال المسرحية الدرامية التي حدثت في العمق ، كان حرياً به عدم إستخدام الألوان في الضوء والإكتفاء باللون الأبيض العادي لأن هنالك الكثير من قطع القماش السوداء والبيضاء تغيرت مهام وجود معطياتها كمداليل من قصدية واضحة الى لبس وغموض وإعتباطية في وجودها ، إضافة الى أن هكذا أعمال يكون عصبها الرئيسي هو الموسيقى والضوء ، وفي هذا العرض إكتفت الإضاءة بإنارتها للأشكال فقط بلا أية أهداف مسبقة أو فلسفة معروفة لشكل مسقط الضوء وإتجاهاته وألوانه ، بل ظلت الإنارة عاجزة حتى عن مسايرة الموسيقى وإيقاعها لأنها كانت إنارة فقط وليست ضوءاً إيقاعياً يتحكم بشكل رئيس في معطيات فلسفة العرض وقصدية إتجاهاته وتفسيراته لتبيان المقاصد الكلية الفكرية وتوكيد الحركة والفعل بشكل واضح لا لبس فيه .
وساهم مخرج العمل في إفساد أهم اللحظات الدلالية للعرض عن طريق إستخدامه لقطعة قماش بيضاء أحاط بها كل المجتمع وهنا يبرز التناقض الإعتباطي جلياً ، فهو من جهة ، ومن المفترض ، أن ندين الشر والمتمثل بالأسود وتحجيبه للجمال وتغلغله بين الناس ، لكنه أخطأ خطأً فادحاً بوضع الوشاح الكبير الأبيض حول الناس فهل هو يؤيد ماجاء به أهريمان ليقلبه أبيض؟؟!! لا أعتقد ذلك ، بل هي رؤية قاصرة في التحليل والتفسير والدراية والخبرة وعدم الإنتباه لأهمية هذا الفعل في قلب جميع كودات الدلالة المعطاة رأساً على عقب مما سبب إرباكاً وتشويشاً ( ليس متعمداً ، وإنما بجهل ) في إستقبال الحدث الدائر على الخشبة ، لكن وعلى كل حال هي محاولة جيدة في نوعية مسرح نفتقده على خشباتنا ونتمنى الإكثار من هكذا تجارب عن طريق إقامة الورش والدورات التخصصية لها وبكامل إشتراطاتها المعرفية .
وما يلفت الإنتباه في جانب آخر هو بروشور العرض الذي تصدرته كلمات الإشراف العام والإشراف الفني ، هاتان الجملتان اللتان أضحيتا مادة للتندّر والتصنيف المضحك بين رواد وجمهور المسرح الوطني ، والتساؤل هو هل كان هنالك إشراف عام أو إشراف فني بإشتراطات الإشراف ؟! لا أظن ذلك بل أصبح هذا الفعل المبالغ به وجاهياً دعائياً أكثر من وظيفته الفعلية وإلاّ لما وقع العرض في هكذا مغالطات فكرية فادحة ، إضافة لعدم توافر نص مكتوب لهكذا نوع من العروض وبهذه الحالة يكون الإشراف بكل أنواعه ميدانياً صرفاً في المتابعة اليومية المستمرة لتطور التجربة ، بالإضافة الى إفتقاد المشرفين على هذا العمل لكل أشكال التخصص القريبة من هذا العرض وإن كانت التقديرات تسير بشكل إعتباطي كما هي عليه وكما شاهدنا فلنقرأ على الوعي الفكري والفني السلام.
ختاماً أوجه التحية والتقدير لكل الشباب اللذين ساهموا بشكل جاد في تقديم تجربة جيدة على مستوى الأداء والجهد المبذول.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram