رغد صالح الهدلة إن ستراتيجية العراق (الاشتراك المعكوس) التي تم تنفيذها من خلال التعامل الماهر للمصالح الخاصة المحلية الأمريكية القوية ربما يمكن تصويرها بأفضل صورة ممكنة في سياسات تسعير النفط العراقي، وان الولايات المتحدة في جهودها لإشراك العراق انتقلت من عدم استيراد النفط العراقي قبل رفع العقوبات في عام 1982 إلى استيراد(126)مليون برميل في عام 1988
وعلى أية حال فإن المسألة التي لها أهمية في هذا التبادل هي أسعار النفط العالمية المنخفضة تاريخياً فإن شركات النفط الأمريكية تسلمت خصم دولار واحد على كل برميل عند شراء النفط العراقي وهي ميزة مفيدة لا تشترك فيها الشركات غير الأمريكية، ولهذا ففي عام 1988 فإن سياسة الاشتراك المعكوس للعراق قادت إلى تسعير الخصم (تخفيض السعر) والذي أدى إلى زيادة أرباح شركات النفط الأمريكية الاعتيادية من(126) مليون برميل نفط سنوياً وهذه الشركات الأمريكية كان بإمكانها شراء نفط غير عراقي من مجهزين آخرين، ولكنها سوف تخسر مبلغ(126)مليون دولار وهذا الخصم الذي يعرضه صدام في ستراتيجيته الاشتراك المعكوس، ولهذا فأن الحكومة العراقية رغم أزمتها المالية الحادة فإنها كانت ترغب في شراء بمبلغ(126)مليون دولار قيمة القوة والتأثير على مدراء تنفيذ شركات النفط الأمريكية والذين بدورهم تطلب منهم الحكومة العراقية القيام بالتأثير على قرارات واشنطن المضادة للعراق. السؤال هنا: هل كان الاشتراك المعكوس سياسة جيدة اختارها العراق؟ عندما كانت العقوبات الاقتصادية ضد الهجوم على الأكراد بالغاز عقوبات تمت مناقشتها ضمن الحكومة الأمريكية أن العراق هدد في الانتقال إلى دول أخرى في السوق العالمي وحذر بأنه سوف لا يسدد مبالغ أكثر من بليون دولار وهو ديون غير مسددة للولايات المتحدة إذا فرضت عقوبات اقتصادية على العراق، وان الأعضاء القياديين في مجموعة الأعمال التجارية الأمريكية العراقية ومصالح خاصة أخرى في واشنطن كانت تضغط آنذاك على المجلس لإلغاء قائمة العقوبات الاقتصادية على العراق، ومثلما أشار الصحفي Elaine Scilino في New yorktimes ما يلي " إن المصالح الخاصة تدخلت في القوانين" قال ذلك عضو مجلس الشيوخ Pell في خطاب ألقاه في 21 تشرين الأول1988" مصالح الزراعة اعترضت على تأجيل إعانات دافعي الضرائب للصادرات الزراعية إلى العراق وان صناعة النفط احتجت ضد مقاطعة النفط العراقي رغم ان المجهزين البديلين للعراق متوفرون أصلا وحث شركة كيميائية طالبت باستقصاء كيف يمكن أن تتأثر منتجاتها بهذه المقاطعة"، وان Harold Lasswell يشير إلى أن العراقيين وبوضوح فهموا تعقيدات " ماذا، متى وكيف" في السياسة الأمريكية وان العراق من اجل تنشيط أهداف سياسته الخارجية فإنه طالب بأن شركاءه التجاريين الرئيسين في القطاع الخاص يضغطون على الأعضاء الأساسيين في الكونغرس الأمريكي وكذلك في البيت الأبيض لمنع أية مقترحات للعقوبات الاقتصادية على العراق او التصرف بطرق أخرى من شأنها إلحاق الأذى بالعراق، وبدلالات المهارة الاقتصادية للدولة فأن الاشتراك المعكوس للعراق كان أسلوبا تكتيكياً لامعاً الذي استعمل نقاط القوة المدركة بصورة خاطئة لواشنطن من اجل مصلحة العراق، وان العراقيين بقيامهم باستهداف خاص للحساسية السياسية للكونغرس ضد أية قضايا متعلقة بالتجارة، الاستخدام المحلي وهوامش الربح للمجموعات النشيطة سياسياً فإن العراقيين كانوا قادرين على القيام بجعل قوة الولايات المتحدة حيادية بصورة فعالة لاستغلال الاعتماد المتبادل الاقتصادي غير المتناسق والذي تم خلقه من خلال سياسة الاشتراك، بل ان "التجارة هي أفضل مفتاح للتأثير السياسي" وعلى اية حال في هذه الحالة فإن الجملة يجب قراءتها كما يلي " التجارة هي أفضل مفتاح للتأثير السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وليس بالضرورة في الدول الأخرى" الاستنتاج: من الخطأ الادعاء بان هناك متغيراً واحداً فقط يقوم بتفسير كامل لتعقيدات السياسة الخارجية الأمريكية في حالة العراق في عقد الثمانينيات، وعلى أية حال يبدو من الواضح إن مفاهيم الحساسية وإمكانية التعرض إلى وضع سيئ تعطي الصدق للوزن النسبي لهذا المدخل التحليلي على الرغم من عدم الدقة بالطريقة التي وضعها Keohane و Nye، وعند النظر إلى الأحداث الماضية فإن من الواضح ان سياسات اشتراك الولايات المتحدة سواء في الماضي ام الحاضر فأنها تم بناؤها على افتراض نظري أساسي يشير إلى أن الحساسية الاقتصادية وإمكانية التعرض إلى وضع سيئ في الدولة المستهدفة سوف تنشأ من أية روابط تجارية غير متناسقة والتي تفضل الولايات المتحدة الأمريكية وهذا الافتراض يمكن ان يكون صحيحاً من الناحية النظرية بالدلالات الاقتصادية الصرفة ولكنها اقل ارتباطاً بالموضوع (إن لم يكن افتراضاً خاطئاً) بدلالات المهارة العملية للدولة وان ذلك هو المجال الذي ترتبط به السياسة والاقتصاد ارتباطاً وثيقاً جداً، وفي سياسة العالم الحقيقي للعلاقات الأمريكية العراقية فإن المجالات السياسية في الولايات المتحدة هي مجالات حساسة جداً للستراتيجية العراقية المضادة وهي الاشتراك المعكوس رغم الطبيعة غير المتناسقة للاعتماد المتبادل للروابط الاقتصادية الأمريكية العراقية، وهنا أيضا من الواضح ا
دروس مــن الـعـــلاقـــات الاميركيـــة العـراقـيــة 1982- 1990 (4 ـ 4)
نشر في: 13 ديسمبر, 2009: 04:23 م