TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عراق.. عطّال بطّال

عراق.. عطّال بطّال

نشر في: 8 ديسمبر, 2014: 09:01 م

الجيل السابق من البغداديين التفتوا الى كثرة المقاهي في مدينتهم بالقول بين "مقهى ومقهى، مقهى" واغلب روادها من العاطلين الباحثين عن العمل ، فكان حملة الشهادات يقفون أمام مجلس الخدمة ، ويطالعون الصحف اليومية للبحث عن وظيفة حكومية براتب اسمي قدره 18 دينارا ، لمن يحمل الشهادة الإعدادية ، واكثر من عشرين دينارا لأصحاب الشهادات الجامعية، وحين يلتفت الحظ لاحدهم ، يتخلص من لعنة الوصف السائد آنذاك "عطال بطال " فينضم الى أصحاب الدخل الثابت ، ثم يبدأ مشوار حياته بالبحث عن بنت الحلال ، والحصول على قطعة ارض من جمعيات بناء المساكن ، وبسلفة مصرف الرافدين والعقاري ، يتمكن من إنشاء دار السكن ، ومنه الى مثواه الاخير ، والف رحمة على روح المرحوم .
تعساء الحظ "العطالة البطالة " من رواد المقاهي، وعددها في ذلك الزمن ربما اكثر من سيطرات العاصمة بغداد في الوقت الحاضر ، ولفشلهم في الحصول على وظيفة ،يفضلون الانتقال من مقهى الى اخر ، عسى ان يجدوا شخصا يرشدهم الى اقرب" واسطة " لتحقيق الامنيات المؤجلة حتى الى اشعار اخر ، وخلال الانتظار والترقب ، واعلان مقابلة مجلس الخدمة ، يتعرض العاطلون الى مقالب ومزاح ثقيل من معارفهم الموظفين ، فمن توفر لديه الهاتف الارضي يتلقى اتصالات في ساعة متأخرة من الليل ليخبره ، المتصل بأنه حصل على وظيفة لصاحبه ، وبعد عبارات الشكر والامتنان ، يسأل "البطال" عن فرصة العمل وفي اية دائرة فيأتيه الجواب سريعا "تحسب دنك شارع الرشيد " ثم يغلق سماعة الهاتف ليتحاشى سماع الرد والتعليق ، وعادة ما يكون على ايقاع سريع يصدر من منظومة الشتائم الموجهة عن بعد وبعيار ثقيل .
في مواسم الاستقرار السياسي ، وزيادة انتاج النفط ، وارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية ، تم فتح باب التعيينات ، ولكن برواتب متدنية ، وانتعش القطاع الخاص ، وربيع الرفاهية لم يدم طويلا ، حين برزت نزعات الاستحواذ على السلطة ، وتسجيلها باسم قائد واحد لا شريك له كانت اول فتوحاته التبرع بالعراق وشعبه ليكون حارس بواب الشرقية ، فخسر الأرواح والأموال وتضاعفت ديونه بمليارات الدولارات ، ترفض الدول الشقيقة التنازل عنها او اطفاء قسم منها لاثبات شعار بلاد العرب اوطاني .
العراق ربما يكون البلد الوحيد في المنطقة الذي انفتحت فيه ابواب جهنم بنجاح ساحق ، ولتجاوز نكبات اكثر من نصف قرن ، اصبح البلد مثل الباحث عن فرصة العمل "البطال العطال " يحسب اعمدة شارع الرشيد ، ويرتاد ما تبقى من المقاهي وينتظر من مجلس النواب تمرير تشكيل مجلس الخدمة الموحد ، وتقديم تسهيلات للمستثمرين ورجال الاعمال لبث الحياة في القطاع الخاص المشلول المصاب بعاهات، في العراق بين عطلة وعطلة مناسبة دينية تستمر لمدة اسبوع وربما اكثر ، فمتى نحقق التنمية ، يا جماعة الخير ، عظم الله اجوركم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram