الجيل السابق من البغداديين التفتوا الى كثرة المقاهي في مدينتهم بالقول بين "مقهى ومقهى، مقهى" واغلب روادها من العاطلين الباحثين عن العمل ، فكان حملة الشهادات يقفون أمام مجلس الخدمة ، ويطالعون الصحف اليومية للبحث عن وظيفة حكومية براتب اسمي قدره 18 دينارا ، لمن يحمل الشهادة الإعدادية ، واكثر من عشرين دينارا لأصحاب الشهادات الجامعية، وحين يلتفت الحظ لاحدهم ، يتخلص من لعنة الوصف السائد آنذاك "عطال بطال " فينضم الى أصحاب الدخل الثابت ، ثم يبدأ مشوار حياته بالبحث عن بنت الحلال ، والحصول على قطعة ارض من جمعيات بناء المساكن ، وبسلفة مصرف الرافدين والعقاري ، يتمكن من إنشاء دار السكن ، ومنه الى مثواه الاخير ، والف رحمة على روح المرحوم .
تعساء الحظ "العطالة البطالة " من رواد المقاهي، وعددها في ذلك الزمن ربما اكثر من سيطرات العاصمة بغداد في الوقت الحاضر ، ولفشلهم في الحصول على وظيفة ،يفضلون الانتقال من مقهى الى اخر ، عسى ان يجدوا شخصا يرشدهم الى اقرب" واسطة " لتحقيق الامنيات المؤجلة حتى الى اشعار اخر ، وخلال الانتظار والترقب ، واعلان مقابلة مجلس الخدمة ، يتعرض العاطلون الى مقالب ومزاح ثقيل من معارفهم الموظفين ، فمن توفر لديه الهاتف الارضي يتلقى اتصالات في ساعة متأخرة من الليل ليخبره ، المتصل بأنه حصل على وظيفة لصاحبه ، وبعد عبارات الشكر والامتنان ، يسأل "البطال" عن فرصة العمل وفي اية دائرة فيأتيه الجواب سريعا "تحسب دنك شارع الرشيد " ثم يغلق سماعة الهاتف ليتحاشى سماع الرد والتعليق ، وعادة ما يكون على ايقاع سريع يصدر من منظومة الشتائم الموجهة عن بعد وبعيار ثقيل .
في مواسم الاستقرار السياسي ، وزيادة انتاج النفط ، وارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية ، تم فتح باب التعيينات ، ولكن برواتب متدنية ، وانتعش القطاع الخاص ، وربيع الرفاهية لم يدم طويلا ، حين برزت نزعات الاستحواذ على السلطة ، وتسجيلها باسم قائد واحد لا شريك له كانت اول فتوحاته التبرع بالعراق وشعبه ليكون حارس بواب الشرقية ، فخسر الأرواح والأموال وتضاعفت ديونه بمليارات الدولارات ، ترفض الدول الشقيقة التنازل عنها او اطفاء قسم منها لاثبات شعار بلاد العرب اوطاني .
العراق ربما يكون البلد الوحيد في المنطقة الذي انفتحت فيه ابواب جهنم بنجاح ساحق ، ولتجاوز نكبات اكثر من نصف قرن ، اصبح البلد مثل الباحث عن فرصة العمل "البطال العطال " يحسب اعمدة شارع الرشيد ، ويرتاد ما تبقى من المقاهي وينتظر من مجلس النواب تمرير تشكيل مجلس الخدمة الموحد ، وتقديم تسهيلات للمستثمرين ورجال الاعمال لبث الحياة في القطاع الخاص المشلول المصاب بعاهات، في العراق بين عطلة وعطلة مناسبة دينية تستمر لمدة اسبوع وربما اكثر ، فمتى نحقق التنمية ، يا جماعة الخير ، عظم الله اجوركم .
عراق.. عطّال بطّال
[post-views]
نشر في: 8 ديسمبر, 2014: 09:01 م