البصريون يطلقون أول نقاش عراقي من نوعه بهذا المستوى، في حديثهم عن تأسيس الاقليم، ومن الطبيعي ان تكون هناك أسئلة واعتراضات هي الان على طاولة انصار الفدرالية، بصاروة وغير بصاروة. وسأحاول بين الحين والآخر الإسهام في هذا النقاش. والمعالجة هنا مختصرة كملاحظات سريعة.
والاعتراض الأكبر هو: ماذا ستجني البصرة؟ ان التحول الى اقليم هو محاولة تطوير اداري محاطة بالمخاطر طبعاً، يحتاجها العراق كله، وكمثال لما يمكن فعله، بدأ المحافظ ماجد النصراوي مجموعة خطوات ستسجله كاول محافظ عدا كردستان، يستعين باستشارات اجنبية معروفة دوليا، في التخطيط للإعمار بعد سنوات ضاعت في التيه الاداري والفوضى، وننتظر سماع اخبار جديدة عن شركة هيل انترناشنال الاميركية العاملة في دبي. كيف سنمنحه صلاحيات للارتقاء بمثل هذه الخطوة دون لامركزية؟ ان الخوض في خيارات التطوير الاداري تنقلنا الى الاعتراض الاخر: هل لدى البصرة كوادر كفوءة؟
الاجابات تتعدد، فأولاً يقوم البصاروة بقلب السؤال: وهل يوجد كادر كفوء لدى السيد نعيم عبعوب مثلا؟ ان المطلوب في كل العراق ان نفكر بكيفية صناعة ادارة متواصلة مع العالم المتقدم، والاستفادة من الاستشارات الاجنبية، لتصحيح الوضع في ادارة بغداد، وادارة البصرة، بلا فرق. ولا يمكن ان تحصل ثورة ادارية بمجرد ان نضع بغداديا برجوازيا بدل عبعوب، اذا لم ندخل الاستشارات المتقدمة الى البلاد.
اسألوا انفسكم. لماذا نبدي انبهارنا بصور العراق التي تعود للسبعينات بل للخمسينات؟ انها لقطات لمدننا التي ساعدت في بنائها افضل الاستشارات الاجنبية حيث عمل في مجلس الاعمار عشرات المستشارين الانكليز والاميركان وطردناهم فيما بعد بسبب"نزوعنا للاستقلال"، وعلى مدى ثلاثين عاما قمنا بخبرة"محلية خالصة"، بتخريب السياسة والتنمية، تحت راية حساسيتنا الفائقة من الاجانب ووهم كبير اسمه قدرة الكفاءات المحلية على صنع معجزات دون حاجة للأجانب. بينما كل الاذكياء في الدنيا بحاجة الى اختلاط لكسب التجارب، ولذلك فان اي نقاش بين البصرة وبغداد حول حجم الكفاءات المحلية هو محض هراء.
وقد رأيت في البصرة الشباب المتعلمين الذين عملوا مع عشرات الشركات والمؤسسات الدولية منذ أعوام، وراكموا خبرة ممتازة ولم نستفد منهم نحن، فضلا عن الكفاءات خارج البلاد، ورجال الأعمال البصاروة المنتشرون من الخليج حتى هونغ كونغ، ويديرون مصالح بالمليارات في بورصات اسيا واوربا. كم مرة قصصت عليكم احلام جوزيف حنا الشيخ البصري الثمانيني الذي ساهمت شركته في بناء ثمانية موانئ عبر العالم ولا احد يسمح له بالمساهمة في ميناء مدينته؟
ثالث الاعتراضات هو خشية عراقية تتعلق بالنفط. والبصرة تتحدث كثيرا عن النفط، لكن عليها ان تدرك انه زائل، ويعرف البصريون الخبراء ان مدينتهم ليست نفطاً، بل هي بحر وتجارة.. و.. نخيل! وظهور الاقليم لا يعني احتكار النفط، بل تنظيم مشاركة الثروة وتقسيم السلطة الإدارية.
رابع الاعتراضات هو المطالبة بالمستحيل، حين يقول البعض: سنسمح للبصاروة بإقامة الاقليم شرط ان يثبتوا لنا انه سيكون ناجحا ولا يكرر فشل الحكومة المركزية! طيب، لماذا نتعامل مع فشل بغداد كأمر مقبول فنسمح للعاصمة بان تجرب الفشل مائة عام، ولا نسمح للبصرة بان تجرب الفشل ولو مرة واحدة حتى تتعلم كيف تنجح؟ ان الفدرالية تعني تخفيف العبء على المركز المصاب بالدوار، والسماح للأطراف بتحمل مسؤوليات جسيمة والتدرب على مواجهتها.
لكن منهج العراقيين هذه الايام في الغالب، مليء بالصراخ والقسوة والاتهام. واذا اعتمد البصريون، الطريقة ذاتها، فانهم سيخسرون كثيرا. اسألكم الآن: متى تشكل البصرة مجلس حكماء متعقلين وشجعانا، خبراء بمعنى السياسة، وتفاصيل الوضع المحلي والدولي، ليضبط حملة التبشير بالاقليم ورسم سياسة التفاوض؟
البصريون ختموا وثيقة مطالبهم المعروفة قبل ٩٥ عاما، بعبارة تستحق اعادة الترديد"لا يرغب أهالي البصرة في شيء غير الخير لأهالي العراق، ولا شيء احب اليهم من ان يسيروا وإياهم جنبا الى جنب على أسلوب تعود منه الفائدة على الفريقين، ولكنهم يعتقدون بانه لا يمكن الوصول الى هذه النتيجة الا بمنح البصرة استقلالا"او وضعا خاصا داخل العراق.
ولقد قمت بتأجيل سؤال كبير يمسنا جميعا، عن الأحزاب العاملة في البصرة والعراق. وقد أخصص له مقالا مستقلا في العدد المقبل.
أربعة اعتراضات: موسم شتم البصاروة (2)
[post-views]
نشر في: 8 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
وهذا مانريده سيدي في مقالك القادم عن الاحزاب في البصرة ومن يكون رئيس الاقليم فيها وكيف سيتم تقاسم السلطة
اكرم حبيب
السيد الطائي المحترم لاتبخس العراقيين حقهم يامحترم هل بالامكان السيد النصراوي تقديم السيرة الذاتية للاستشاريين الاجانب التي قدمت في اصل العطاء ومن هو موجود على ارض الواقع فعلا عدم معرفتكم بما انجز هندسيا في البلد لاينفي حصوله وهل تعلم كيف كانت تسير امور ب