أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها السكون، وغايتها بطالة العقول والنفوس قبل بطالة الأبدان.
في كل يوم تواجه بهذا السؤال الأزلي: لماذا تكتب عن فلان وتستثني"علان"، لماذا أنتم معشر الكتاب تناصبون النائبة"الشجاعة"العداء فيما تغضّون الطرف عن نائب"مليشياوي"استولى على معظم مقاولات الأرصفة؟!
ماذا نكتب ياسادة في بلد يرفع سيف"دولة القانون "في وجه حرية التعبير، ويعتبر الحديث عن الفساد والمفسدين رجساً من عمل الشيطان، في موسوعته الكبيرة لمحات اجتماعية من تاريخ العراق يروي علي الوردي نقلا عن مؤرخ تركي: أن صحفياً في إسطنبول وجد مقالاته كثيراً ما تمنع من قبل الرقابة، فذهب إلى مدير الرقابة يسأله عن الحدود التي يستطيع أن يكتب فيها من دون أن تُمنع مقالاته، فأجابه المدير بأريحية قائلاً:"تستطيع ياعزيزي أن تكتب في كل شيء"ولمّا أبدى الصحفي استغرابه من هذا الجواب، أخذ مدير الرقابة يوضّح له المقصود من عبارة"كل شيء" وقال له:"طبعاً! عن كل شيء سوى، الحكّام والحكومات الأجنبية الصديقة والثورة والاضطرابات والفوضى والحرية وحقوق الشعب والسياسة الخارجية والسياسة الداخلية والدين والتفكير الحر والسلطات وحريم السلطان والوطن والأمة والقومية والنواب والشيوخ والدستور والمؤامرات ومدحت باشا ونظمي بك والسلطان مراد والإصلاحات و موسم الجراد وبعض المواضيع الأخرى المتصلة إلى حد ما بهذه المواضيع".
بالأمس تذكر"الإسطنبولي"الحائز على نوبل للآداب أورهان باموق انه بدأ حياته صحفيا، ضاربا بعرض الحائط بنصيحة والديه اللذين حذراه من السجن أو الموت مشردا في مهنة تقلق السلطات حتى الديمقراطية منها.. فكيف وأنت في إسطنبول التي تصحو كل صباح على خطاب جديد من خطابات الجنرالات ؟ ترك ال جانبا نصيحة ودرس الصحافة ليصبح مثل معلمه ماركيز، ثاني أكابر نوبل يدخل إلى عالم الرواية من بوابة السلطة الرابعة.. يكتب باموك بعد صمت 6 سنوات في جريدة حرييت التركية مهاجما الرئيس التركي أردوغان:"إن الأسوأ هو الخوف.. ألاحظ أن الجميع خائفون وهذا ليس طبيعيا حرية التعبير تدنت حتى أصبحت في الحضيض" ويضيف:"سياسيونا يدلون بتصريحات متهوّرة في وكأنهم يريدون إثارة شجار"
ماذا يفعل أدباؤنا الكبار، مع درس باموق هذا..سيضحك البعض من سذاجتي ويقول ياسيدي ان كتّابنا مجبرون على التعلّق بأذيال"قائد ضرورة"أتذكر إنني قرأت في السنوات الماضية رواية باموق"الكتاب الأسود"، وفيها يتحدث عن كاتب عمود يومي يعاني من معاملة الناس له بصفته الرجل الذي يعرف كل شيء، لأنه يكتب كل يوم.
في أجمل فصول الرواية يروي باموق عن نصائح يقدمها أشهر ثلاثة من كتّاب الأعمدة إلى هذا الصحفي والتي جاء فيها: "كاتب العمود ليس الحكيم إيسوب وليس مولانا الرومي، لا تكتب بحسب ذكاء القارئ بل بحسب ذكائك، لا تجلس إلى طاولة الكتابة قبل أن تجد جملتك الأولى.، اجعل قارئك يؤمن بأن هناك عقيدة صادقة لك..، لا تنس أنك شيطان وملاك ودجّال،لأن القرّاء يملّون من الطيب تماماً والسيئ تماماً، لا تنس أن عدم الفاهمين بقدر الفاهمين".
هل تنفع نصائح باموق كاتب عمود مثلي يرى أنّ البعض لا يريد للعراق أن يعبر هذه الكيانات التي يسميها عشّاقها أحزابا وكتلا سياسية، من أجل العيش دولة يشعر فيها الفرد بالحرية والكرامة والامان، لا يصطاده شرطي في سيطرة ليهينه ويتفنّن في إذلاله، ولا يساومه نائب"مخادع"على أحقيته في سكن وصحة ورفاهية وتعليم، ولا يسعى للهتاف لأيّ شيء وكلّ شيء!.
بمناسبة"حرية التعبير"!!
[post-views]
نشر في: 8 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 6
ابو سجاد
لاتنسى يااستاذ علي ان السلطة الرابعة لايمثلها الا افراد في عراقنا اما الاكثرية فهي مجموعة من مرتزقة وجهلة في راي ان الصحافة الحرة المرتكزة على القاعدة الوطنية هي القادرة على بناء وطن صحيح كونها تترصد كل شيْ وتقوم بكشفه ليستفاد منها السياسي والعسكري والامن
احمد العراقي
شكرا من صميم قلبي استاذعلي حسين على هذا المقال ...كأنك في قلوبنا تكتب كما نفكر.
ام رشا
أستاذ علي كل ما يحدث في العراق الآن وحدث سابقا هو نتيجة حتمية للصراع الديني الطائفي الذي دمر المدمر وقضى على كل شئ له علاقه بالحضارة ..اولي الأمر الحاليين يعتقدون أن التحضر هو بناء وعمارات زرق ورق وصبغ ارصفه ولوحات تعبيرية لمشاهد اللطم وضرب الزنجيل وطبخ ا
حنا السكران
بمناسبة مولانا الرومي الذي كنت عند حضرته قبل يومين ضريح بسيط لمتصوف وشاعر تلتف مدينة قونية حوله , وبحجة مقتنيات الرومي التي وضعوها في غرف ضيقة قريبا من قبره جعلوا الدخول للزيارة ب 5 ليرات اي حوالي اكثر من الفي دينار لرصد التعميرات والصيانة , واضرحتنا الا
علي العراقي
العزيز علي تنسى دائما الحديث عن صحافتناالتي هي انعكاس للواقع المتردي الذي تتحدث عنه وانت مصيب فيه فحرية التعبير شيء عظيم ولكن الاعلام والصحافة بيدالاميين والانتهازيين والمتخلفين ويكفي مانشيت احدى الصحف لبعض الاحزاب المتنفذة لتجد فيه الوعيد والغاء الاخر وا
محمد سعيد العضب
نحن نعيش في بلد اولها واخرها يتمشدق في ظلال مظلوميه مفتعله ,واصبح لا حق للقلم ان يعبر , ولا حق للعقل ان يفكر , لان كله عمل من رجس الشيطان فلابد تجنبه, مع ذلك تحول الكذب والرياء والنفاق الفردي والمجنمعي سمه ملازمه ليس فقط لصغار القوم , بل ميزه