TOP

جريدة المدى > تحقيقات > منطقة "أم الذبان" .. أحياء بائسة .. خارج الزمن والتأريخ!

منطقة "أم الذبان" .. أحياء بائسة .. خارج الزمن والتأريخ!

نشر في: 13 ديسمبر, 2009: 04:28 م

بغداد/ شاكر المياح تصوير/ سعد الله الخالدي ما ان اجتزنا حي النصر باتجاه منطقة معامل الطابوق (طريق بعقوبة القديم) حتى أصبنا نحن كادر (المدى) بخيبات أمل متعاقبة، الأولى تمثلت في ضيق الشارع ذي المسار الواحد والمخصص للذهاب والإياب، هو ليس طريقا، بل صراط مستقيم مد فوق سطح الأرض، فحينما تلتقي سيارتان متعاكستان بالاتجاه ليس بمستطاع سائقيها تجنب الخروج منه الى كتفيه الترابيتين،
 وبالتأكيد فانهما سيكونان سعيدين لو ان الأمر اقتصر على التراب وحسب وانما يتعداه الى الحفر والمطبات الطبيعية والصناعية. وليس هذا فقط بل قطع السكراب المعدنية والقضبان الحديدية التي يحاول جميع مستخدمي هذا الطريق تجنب الانزلاق نحو الحافة الترابية له خشية ان تتسبب في انفجار إطارات عجلات سياراتهم، ومع هذا قد تتلامس مرايا السيارات الجانبية فيتقبلها السواق برحابة صدر على انها واقع لا بد من القبول به. مكب نفايات وعلى جانبيه أيضاً، ثمة أشباه منازل توزعت بأشكال عشوائية، وخيبة الأمل الثانية، ان هذه التشكيلات البنائية المشوهة، تكدست في باحاتها التي سورت باسيجة شتى، منها الأسلاك الشائكة، والبلوك، او المشبكات الحديدية.. عشرات الأكياس النسيجية التي يأتي بها (العتاكة) من مختلف مناطق بغداد، محشوة بأجزاء معدات ميكانيكية وأجهزة كهربائية تالفة وبطاريات السيارات، والتي تحوي بعضا من عناصر الألمنيوم والرصاص والبلاستك وغيرها من المواد التي تدخل في الصناعات المحلية المعادة وغير المرخصة. ضحايا حوادث خيبة الأمل الثالثة، ان هذا الطريق أنشأه الانكليز في منتصف العقد الثالث من القرن المنصرم ليربط لواء بعقوبة بالعاصمة مارا بمنطقة (كاسل بولس) التي كانت فيما مضى مستودعات خاصة بالجيش البريطاني، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تجر عليه اعمال صيانة او تطوير، او إنشاء مسار ثان له، ولطالما شهد أحداثا مرورية ذهب ضحيتها المئات، وربما لا أغالي اذا ما قلت الآلاف. غبار ثم غبار الخيبة الرابعة، ان هذا الممر الضيق مغبر طوال ساعات النهار، وان عمال التنظيف بأزيائهم المميزة يسهمون بإثارة الغبار بمعداتهم الملونة، فهم يحولون أكوام الأتربة من مكان لآخر، وكلما انحرفت عجلة ما على الكتف الترابية بسبب ضيق الطريق، تهب عاصفة ترابية، وهكذا تتكرر هبات الغبار. مياه الغسيل الخيبة الخامسة ان هذا الممر والذي لا يتجاوز عرضه خمسة أمتار تحول وفي جانبيه الى منطقة صناعية بدائية جدا، بالرغم من لوحات محاله الفسفورية والتي حملت أسماء وعلامات تجارية غريبة، ناهيك عن كراجات غسيل السيارات التي تسيدت المشهد هي الأخرى وزادت من حيرة سواق السيارات نتيجة تسرب مياه الغسيل الى جانبي هذا الطريق المنكوب. منطقة بدائية كل شيء كان يوحي لنا باننا دخلنا منطقة لا تنتمي الى عصر بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، راودتنا الظنون باننا نتقصى عما هو في ماض موغل في القدم لكن هذه الظنون بددتها حركة عجلتنا (الكيا) ونحن نتبع (همر) قوة الشرطة الاتحادية التي رافقتنا في جولتنا العجيبة والتي ضمت المنتسبين الذين صحبونا بأمر من الرائد احمد والملازم الأول نعيم صخر. شباب ممتلئون حماسة وشجاعة وحبا للعراقيين، هم من الفوج الثالث، اللواء الثامن، من الفرقة الثانية شرطة اتحادية. اجزم باني ما زلت سادرا في وهمي باني أعيش اللحظة في دنيا لم أ ألفها، تراءت لي مثل شريط سينمائي يحكي قصة شعب من شعوب العصور الاولى للتأريخ، فأحسست بان دوامة ما حملتني الى ابعد من حدود الزمان والمكان، غير اني تحسست جسدي لما قرأت لوحة تحمل اسم (مدرسة الأفلاذ الابتدائية). عاودني الوهم مرة أخرى وانا انقل بصري ذات اليمين وذات الشمال، حمير، خيول ضامرة البطون، أضلاعها البارزة تدل على ان الجوع قد أنشب أظفاره فيها، عربات خشبية متهالكة، حتى إطاراتها التي تشبه إطارات السيارات بالشكل وليس بالنوع محملة بالأعلاف والسكراب وكل ما هو لا ينفع في الحياة المعاصرة. منطقة تحيا على أنقاض الماضي، وعلى مخلفاته، تأبى وبإرادتها مغادرتها، واقع ربما استمرأته فوجدت فيه ملاذا يقيها إشكالات الحضارة والتحضر والحداثة، فهي وكما بدا لنا لا تتسق مع معطياتها، ولا تستسيغ الانخراط في لججها المحتدمة فاختارت ان تظل بعيدة عن تلاطم أمواجها، فارتضت ان تظل هكذا، مستسلمة لأقدارها ولوفاء مواشيها. في ذلك المكان.. زرائب بشرية الزرائب أسماء لأمكنة تعد للمواشي (الأغنام والأبقار)، اما ان يتساوى الإنسان مع مواشيه، فهذه خيبة أمل سادسة صدمنا بها، والأدهى من هذا، ان زرائب المواشي في تلك المنطقة كانت أجمل واكثر اتساعا من زرائب البشر، وأكثر نظافة وتشكيلا، المواشي في ذلك المكان حسبتها أغلى من الإنسان، للاعتزاز الكبير الذي تحظى به من لدن مالكيها. سألته، هو شاب في مقتبل العمر: كم هو سعر الحمار؟ ضحك ملء شدقيه: بـ 150 او 200 الف دينار. حسبته يمزح معي فسألته ثانية: وبكم هو سعر الخروف او النعجة؟ تراجع الى الوراء قليلاً، فلم اتركه، بل لاحقته فلم يكن يفصلني عنه سوى سنتيمترات: قبل عيد الأضحى من 170 – 200 الف دينار وبعد العيد تراجعت أسعار الخراف لتصل الى 130 الف دينار. أبصرتها وكأنها تتلاشى وسط تلٍ من العلب المعدنية، لم أكن لأدرك عن ماذا تبحث في ذلك التل المعدني المهول، دنوت منها حذرا ومتلمسا طريقي اليها خشية التعثر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram