يوم سأل صحفي زملاءه في العمل إرشاده الى اشهر محال الأزياء في بغداد لشراء بدلة جديدة و "ربطة عنق " احدث ضجة وأثار التساؤلات والاستفسارات والتعليقات ، فهناك من تحدث عن حصول تحول خطير في سلوك زميلهم ، وآخر علق بالقول انها من علامات قيام الساعة ، وفي لجة الجدل ، وارتفاع الأصوات لإبداء الآراء كعادة العراقيين في الحوار ، حسم الباحث عن الأناقة "خلاف القوم " بانه يستعد للقاء مسؤول كبير ، ولابد ان يكون بمظهر لائق ، وهو على يقين بانه لم يحصل على جديد، لان المسؤولين من كبيرهم الى صغيرهم يفضلون الحديث الإنشائي ، وغايتهم بث رسالة معينة عبر وسائل الإعلام ، بمعنى اخر "جيب ليل واخذ عتابة" مصحوب بعزف منفرد على آلة الربابة.
"الصحفي المهتلف" بحسب وصف زملائه ، فاجأ الجميع في يوم تجاوزت فيه درجة الحرارة الخمسين بالدخول الى مقر عمله مرتديا الدشداشة ، فتجاهل نظرات الاستغراب ، والسخرية ، وقال بصوت مرتفع ، انا اعمل مراسلا في جريدة خليجية ، ومن حقي ارتداء ما يعجبني لان الدستور العراقي لم يمنع ارتداء الدشداشة والجلابية وردا على وصفه بالمهتلف ، ضغط على زر البحث لمعرفة معنى المفردة ، فعرض النتائج أمام المعترضين ( معنى هلف في الهِلَّوفةُ والهِلَّوْف اللَّحْية الضخمة الكثيرة الشعر المنتشرة والهِلَّوْف من الإبل المُسنّ الكبير الكثير الوَبَر وهو من الرجال الشيخ القديم الهَرِم المسنّ وقيل الكذّاب وإذا كَبِرَ الرجل وهَرِم فهو الهِلَّوْف ورجل هُلْفُوف كثير شعر الرأْس واللحية) وباعتراف الزملاء اكدوا ان صاحبهم تعرض لحيف كبير ، فهو ليس ملتحيا ، وصلعته وحدها كفيلة بإبعاد حيف يلاحقه من افندية الجيل القديم والجديد من الصحفيين.
الغاء التفاوت الطبقي ، والنضال لتحقيق مكاسب لأبناء الشعب ، والجماهير الكادحة ، وضمان توفير دخل ثابت للفقراء ، سواء من كان فوق او تحت خط الفقر ، شعارات تبنتها احزاب عملت في الساحة السياسية العراقية ، بعضها قدم تضحيات كبيرة ، واخر استولى على السلطة ، فتحولت شعاراته الى "ملخيات " يتداولها الإعلام الرسمي ، وعلى مدى عشرات السنين ، تضاعفت أعداد "المهتلفين " فطالهم الإهمال والتهميش ، والحرمان من الحصول على حقوقهم في بلد نفطي ، ميزانيته السنوية اكثر من مئة مليار ، وشبابه من حملة الشهادات الجامعية يعانون انعدام فرص العمل ، وقطاعه الخاص توجه الى عواصم دول عربية ليصدر من هناك كبة البرغل للأسواق المحلية في هكذا أوضاع مأساوية ، يبرز السؤال من هو" المهتلف" السياسي او المسؤول ام القابع تحت خط الفقر الاسود؟
قبل إجراء الانتخابات التشريعية السابقة قام سياسي معروف في الأوساط الشعبية بانه سيد ابن رسول الله بزيارة لحي الحواسم لضمان أصوات سكانه لقائمته فاستقبلته امرأة بقولها "سيدنا احنا المساكين المهتلفين ما عدنا غير الله و غيرك ،ارحمونا شوفونا جارة " ولكن من يسمع صوت المهتلفين ومن يقرأ كتابات صحفي مهتلف تبنى الدفاع عن قضايا شعبه فاطلق الصوت في سوق الصفافير ، بموافقة رئيس التحرير ، فنال الشكر والتقدير، ويا ايها المهتلفون موعدنا الجنة ، على عناد أمريكا وفخري كريم.