انشغل العالم، قبل أيام، بتقرير الكونغرس الأميركي (لجنة الاستخبارات) على أنه فضيحة مجلجلة عبرت عن جشع النظام الرأسمالي بطبعته العنفية، فضيحة لا ينتجها إلا السفلة في "منارة العالم الحر" التي وصفتها صحيفة "الفايننشال تايمز" بأنها "ضربة للدولة العميقة".
"الدولة العميقة" تعني هنا الدولة التي لا تتوانى عن اعتماد مبدأ "الميكافيلية" في تنفيذ سياستها وتحقيق أهدافها، عبر الفساد والإفساد وتشويه الحقائق والتنصت وممارسة التعذيب أو أي شكل إجرائي لاستنطاق المتهمين، وهي، أخيراً، الدولة، داخل الدولة، التي تدير سياستها على وفق مصالحها الخاصة خارج الدستور والقوانين المعمول بها، بغض النظر عمن هو في السلطة، حسب مايكل غلينون الباحث في العلوم السياسية.
من السياسات الأخطر التي مارستها هذه الدولة هي شن الحرب على العراق عام 2003 وإسقاط نظامه الدكتاتوري بأسلوب دكتاتوري، إذ اختزلت ديمقراطيتها العتيدة إلى "آلية" إدارية، رغم التراث الديمقراطي الذي شيده تنويريو أميركا ومثقفوها وناشطو الحركات المدنية فيها، دكتاتورية فجة مارستها ضد العالم أجمع بما فيه المؤسسات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
كتبت (التايمز) البريطانية في افتتاحيتها: "إن نشر التقرير ضربة لسمعة السي آي أيه وقد يؤدي إلى هجمات انتقامية حول العالم، لكن نشره كان ضرورياً لأنه صور السي آي أيه وكالة مارقة مثل فيلم هوليوودي كتبت هي قواعد لعبته، لتخدع أسيادها وتخون القيم الأميركية التي تدعي الدفاع عنها.. إنه وصمة عار وأسلوب لا تلجأ إليه إلا الدول الدكتاتورية".
"الحقيقة البشعة" ، حسب وصف دايان فاينستاين، النائبة الديمقراطية ورئيسة لجنة الاستخبارات في الكونغرس، لم تكن "الحقيقة البشعة" الوحيدة، فالتاريخ السياسي المعاصر للولايات المتحدة الأميركية مليء بمثل هذه الحقائق، والأكثر طزاجة هي جريمة "أبو غريب" في العراق عندما مارس ضباط وجنود الاحتلال أكثر الوسائل بشاعة بحق المعتقلين حتى لو كان بينهم من عتاة الإرهابيين.
كانت السيدة فاينستاين تخوض معركة نشر الوثائق المتعلقة بتعذيب السجناء طيلة ثلاث سنوات حتى تمكنت من نشر تقريرها هذا.
من العار على الإدارة الأميركية أن تلجأ إلى الكذب وتزوير المعلومات ورشوة دول معروفة لتقبل بتسلم معتقلين في سجونها (مثل بولونيا) من مجرمي "القاعدة" بل أن الرئيس الأسبق جورج بوش أنكر علمه بما يحدث من تعذيب وتكليف علماء نفس وخبراء لوضع برامج الاستجواب والتحقيق، بينما المعنيون بالفضيحة عادوا، فيما بعد، ليعلنوا أن جورج بوش نفسه وضع توقيعه على عقود العمل مع هؤلاء الخبراء.
أية أساليب وحشية مورست بحق المتهمين ما جعل بعض رجال السي آي أيه، وهم من عتاة القساة ، "على حافة البكاء والنشيج جراء الطريقة التي عومل بها المتهمون أثناء التحقيق" حسب التقرير المذكور؟
جاء في التقرير: "إن خمسة من المعتقلين تعرضوا لإطعام من الشرج حيث كان الطعام يُطحن ويضخ فيهم. ومات غول رحمن متجمداً بعد إجباره على الجلوس فوق الأرضية الباردة من دون ملابس، وقيد المحققون يدي سجين لعمود مدة 22 ساعة".
المفارقة ليست في أن تمارس دولة "ديمقراطية" تلهج بحقوق الإنسان وبأنها "منارة العالم الحر" أحط أساليب التعذيب بحق سجنائها، فهذا هو أحد وجوه الدولة الأكثر استهتارا بمصائر الشعوب والأفراد، بل إن المفارقة هي أن بعض المؤسسة الرسمية (لجنة في الكونغرس) ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام فيها هي من تتولى فضح جرائم الدولة العميقة التي تخفي جرائمها، وللدور الفردي للسيدة فاينستاين أهمية الصاعق في تفجير قنبلة الفضيحة.ديمقراطية السفلة تحكم في دول عديدة، مثل إسرائيل والولايات المتحدة وبلدان أخرى في العالم والشرق الأوسط ومنها "الديمقراطية" التي ألّفها بول بريمر بطبعة خاصة بالعراق والعراقيين.
أميركا.. ديمقراطية السفلة
[post-views]
نشر في: 15 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ابو سجاد
ليس دفاعا دفاعا عن اميركا ولكن اود ان اسالك هل انت العراقي او العربي افضل من الامريكان هل تستطيع ان تذكر لي شياْ واحدا انت الافضل هل يوجد في العالم العربي المتخلف الدموي احدا يؤمن بالحريات العامةاو حقوق الانسان او العدالة الاجتماعية امريكا تؤمن بكل تلك ال
kais latif
أمريكا هي مَن جيشت جيوشها وأرسلت جنودها من المعتوهين والمنحرفين ومن الراغبين بجنسيتها من المتسللين والفاشلين والمغامرين .. ليقيموا ديمقراطية النهب واللصوصية ونشر جراثيم الطائفية وضرب السلم الأهلي وتخريب المنشأآت في العراق ! هذا هو الوجه الرسمي البشع والقب
kais latif
عزيزي عواد ناصر ، مازال هذا الزمن يسمى (أمريكياً) على الرغم من الصفعات والإندحارات والإهانات وأخيراً فضائح (الديموقراطية) التي لحقت بهم ! منذ الحرب الكورية مروراً بفيتنام وصولاً الى حروب أفغانستان والعراق ! فقرود السياسة والمال مافتئوا يلعبون على نفس الحب