ينعقد اليوم في اربيل مؤتمر مهم هو الاول من نوعه على مدى سنوات، يجتمع فيه السنة بحضور دولي وعربي على مستوى السفراء، وبتمثيل لمؤسسات الدولة العراقية، كي يناقش خارطة طريق لتحرير المحافظات الساخنة. وجزء من اهتمامي بالموضوع انه جاء برعاية محافظ نينوى اثيل النجيفي ووزير المال السابق رافع العيساوي، اذ لا اتخيل نجاح اي تسوية كبيرة بدون هذين الرجلين، فهما الاكثر قدرة على تعريف السياسة في نينوى والانبار، وقد خسرناهما حتى حين، بسبب عداوات نوري المالكي الى ان صرنا تحت رحمة داعش.
لكن المؤتمر كما يبدو من ردود الفعل الاولية عليه، يعكس ازمة ثقة سنية - سنية، تكشف المأزق الاساسي الذي يواجه بغداد في لحظة نواياها بشأن الاصلاح، ويواجه واشنطن في لحظة مراجعتها لملف العراق ومحاولة تخطي عثرات باراك اوباما التي اغوت المالكي واغرته بالاسراف في استخدام القوة وتأجيل السياسة.
النجيفي والعيساوي واضحان الى حد مفرح، فهما يعرضان براغماتية ومرونة عالية مقارنة بباقي الاطراف السنية الغاضبة والتي لا تعرف كيف تصوغ مطالب مصممة بعناية، وصالحة لان توضع في جدول اعمال داخل حوار عراقي واقليمي.
الرجلان يقولان: نحتاج تطبيقا للامركزية، كي نضمن ان لا نتعرض لانهيار لو جاء مجنون اخر ليرأس حكومة المركز. وهذا طلب مشروع بعد تجربة السنوات الثمانية الماضية.
وهما يذهبان اكثر من ذلك حين لا يرفضان دور الحشد الشعبي بالكامل، بل يطالبان يتنظيم وضعه وتصحيح اي خطأ ترتكبه بعض تشكيلاته، لان كل خطأ شيعي في حق السنة سيمنح داعش فرصة للحشد طائفيا، وقد كان هذا سلاح التنظيم المتشدد على مر سنوات.
ان جدول اعمال المؤتمر فرصة للشيعة والاكراد كي يعيدوا تنظيم اولوياتهم في الاسراع برسم نواة تسوية سياسية كبرى مع السنة، الا ان هذا لن يكون متيسرا قبل ان يصبح المؤتمر فرصة حوار داخلي سني، مع الذات، يحاول اعادة التناقضات والانقسامات بين السنة انفسهم الى حجمها الطبيعي. فعجز السنة عن بلورة موقف منسجم هو ايضا عامل يقدم لداعش خدمة جليلة ويتيح لهذا التنظيم ان يعبث باوراق الحرب والسياسة في الموصل والرمادي.
ان ازمة الثقة في غرب العراق وشماله الغربي، ليست مجرد شك ببغداد وارتياب من حكومة حيدر العبادي ووعودها، بل هي ارتياب سني متبادل، وصراع على النفوذ بين النجيفي وخصومه، والعيساوي وخصومه.
تارة لان النجيفي ورافع يذهبان بمرونتهما بعيدا حد ان لا يمتنعا من زيارة طهران وجعل الحوار معها مماثلا لاي حوار مع الرياض وانقرة.
وتارة لان الرجلين يمتلكان مهارات تفاوضية وقبولا دوليا، لا يتاح لكثير من السنة ممن تنقصهم الخبرة السياسية، وقدرة الاقناع، ومهارات صوغ خطاب شجاع وقوي ولكن معقول ومحسوب.
عرض ظلامة المحافظات السنية لا يتطلب تبسيطا في شتم طهران ولا هجاء الشيعة ولا التشكيك بالعبادي. فهناك شيعة مهمون ايضا يعترضون عملياً على شكل الدور الايراني، ولذلك فقد تصادمت النجف مع طهران لحظة خلع المالكي، ولم يكن ذلك سراً. وهنالك شيعة ساهموا بدور حاسم في مراجعة خطايا السنوات الثمانية الماضية. وهنالك شيعة ايضا لايزالون مرتابين مما يمكن ان يفعله العبادي.
وفي وسع الحوار السني الداخلي الذي سيطلقه هذا المؤتمر، ان يضع كل هذه المعايير على الطاولة لاول مرة، لينتج ممكنات سياسية ظلت غائبة في ضجيج الحرب والفساد ونقص الخبرة والتدخلات المتنوعة داخليا وخارجيا.
لكن السنة بمفردهم لن يتمكنوا من تخطي هذا الشقاق الخطير، دونما تفهم وعون من كل الاطراف، سواء تحدثنا عن دور القوى الوطنية كرداً وشيعة، او عن دور المحيط الاقليمي، او دور واشنطن المحتارة كذلك منذ شهور في وضع تفاهم محدد مع المحافظات السنية. والمناخ السياسي اليوم يتيح لنا ان نحظى بشيء من التفاؤل والامل بتنضيج الاداء وتقليل الاخطاء، وسط منغصات لا تحصى.
الشقاق السني ومؤتمر اربيل
[post-views]
نشر في: 19 ديسمبر, 2014: 01:52 ص
جميع التعليقات 1
وليد اﻻبراهيمي
امام السنة وقت طويل ليثبتوا حسن النوايا السني السني ،ﻻنهم تحت وطأة شيوخ العشائر وتسليحها الذين سيكون القشة التي قصمت ظهر البعير ،ويرموا بأخطائهم على حكومة العبادي كما حدث مع المالكي ،،انه مبدأ عدم القناعه السني بوضعهم الجديد الخالي من الثقة باي أحدحتى مع