TOP

جريدة المدى > عام > بين الرصافي والجواهري

بين الرصافي والجواهري

نشر في: 20 ديسمبر, 2014: 09:01 م

اشترك الجواهري والرصافي في الموضوع والإيقاع ، وفي النقد الساخر ، إذ قال الجواهري في "تنويمة الجياع" : وكانت قصيدة الرصافي في المضمون والإيقاع نفسه ، وقد سبق الجواهري إلى ذلك ، ولا شك في أن القول في موضوع واحد ، أو متشابه إلى حد ما ، يوقع الشاعر في ال

اشترك الجواهري والرصافي في الموضوع والإيقاع ، وفي النقد الساخر ، إذ قال الجواهري في "تنويمة الجياع" : وكانت قصيدة الرصافي في المضمون والإيقاع نفسه ، وقد سبق الجواهري إلى ذلك ، ولا شك في أن القول في موضوع واحد ، أو متشابه إلى حد ما ، يوقع الشاعر في التناص ، ويجعل المتلقي يستقبل كلاما سمعه سابقا لكنه يتناغم مع آلامه . يقول صلاح نيازي في كتابه " الاغتراب والبطل القومي" : ( المسافة بينك وبين الموضوع الذي تريد معالجته سواء أكان فكرة مجردة ، أم حالة ذهنية ، أم شيئا ماديا ملموساً ، هي التي تحدد لغتك . كما تحدد شكل الكلمات ، وبناء العبارات ) ، لذلك جاءت قصيدة الجواهري ، وقبله الرصافي ، يسبقها النداء ، ثم أفعال الأمر وأدوات النهي ، والتوكيد :
نامي
ياجياع الشعب ...
ياقوم لا تتكلموا
والقصيدتان مبنيتان على أفعال الأمر والنهي لكنها ( أوامر خيبة ) ، وهذا النوع من الشعر يضاعف الأزمة النفسية لدى المتلقي ويجعله أينما التفت يسمع :
لا تتكلموا ..
ناموا ...
وهو خطاب يراد منه استفزاز المتلقي ، لكن هذا الاستفزاز لا يخلو من أن قائله في معزل عنه ، لأنه يقظ وجياع الشعب نائمون ـ عند الجواهري ـ وهو ينطق الكلام الحلال ، وعامة الناس صامتون لأن الكلام محرم عليهم .
ويتساءل صلاح نيازي عن خطاب الشاعر ، هل يخاطبهم وهم بمعزل عنهم ( أم أنه يتحدث عنهم ، أو يتحدث بالنيابة عنهم ويتقمصهم ، أو أنهم تلبسوه وتلبسهم فأصبحوا كتلة متواشجة واحدة ؟ هذه المواقف الخمسة هي التي تحدد المسافة وبالتالي اللغة الشعرية ) .إن الشاعر بمعزل عنهم تماما ـ فإذا كان يتحدث عنهم فهي سخرية تامة وشعر يدعو إلى التقاعس وعدم النهوض ويعزز الخيبة ؛ أو يتحدث بالنيابة عنهم ، فإنه لا يحتاج أن يوبخهم على نومهم ، أو على صمتهم عن الرصافي، إنما يحتاج إلى لغة أعنف من هذه ومسافة أقصر بينه وبين المخاطب المتمثل بالسلطة الظالمة التي أجبرتهم على النوم ـ الجواهري ـ و الصمت ـ الرصافي ـ وبهذا ، سيقتص لهم من ظالميهم . والشاعر ـ في هذه الحال لم يتقمصهم .
انه اضطر إلى أن يتلبسهم ويتلبسوه ، بعد صدمة واجهته في إحدى ساحتي تواجده ، السلطة أو الجماهير ، وحيث صدمته السلطة ، جاء الى الجماهير ومارس السلطة عليهم ، وأغراهم بأنه يتلبسهم كي يتلبسوه ويخرجوا معه ، مدعيا انه خرج معها ولم يخرج بهم بعد أن خاب ظنه في السلطة .
إن أفعال الأمر وأدوات النهي تؤكد أن الشاعر يريد قيادتهم ، لذلك جاء خطابه مستفزا لصمتهم ، أو مقلقا لنومهم .
لذلك نرى أن القصيدتين ، هما ، من أثر السلطة في الشعر ، وأثرها في البناء الفني ، واشترك الشاعران في البحر، وكان للميم المضمومة عند الرصافي وقعها الحماسي ، والميم المكسورة عن الجواهري دلالة الخيبة والحسرة . والصمت والجوع هما أزمتا الشاعرين اكثر مما هما أزمتا الشعب المبتلى بالسلطة وشاعريها .
فالجواهري تكلم وصدح لكنه مازال جائعا ، ومازال همه ان يكون هو السلطة لا غيره ، أما الرصافي فكل همه ان يعود يتكلم ، لأن كلامه سينهي جوعه الذي أدركه بعد غنىً ، وهو مدرك بأن كلامه سيغنيه .
هناك مشتركات كثيرة بين والرصافي الجواهري ، فكلاهما يمدح السلطة وكلاهما يهجوها ، متى ما شاءا فعلا ، وكلاهما تربطه بالحكام علاقات طيبة ، وهما ممن لا يستطيع التفكير شعريا دون وجود حاكم خصم أو حاكم صديق ، فإن كان الحاكم خصما فإنه سيكون خصما للشعب بسبب قوة "إعلامية" الشاعرين وما يحظيان به من حب وانتشار واسع لدى الجمهور .
إلا أن الرصافي أسس واطمأن إلى اسمه ، وسبق الجواهري في هذا المجال ، وحين كان هو والزهاوي طرفي جدل ونقاش وشغلا الناس في خلافاتهما ـ وكلاهما دخل البلاط العثماني ـ لم يكن الجواهري قد لمع شاعرا .
وبمعنى أدق ، إن الجواهري على الرغم من الأزمات الحياتية والنفسية التي عاشها ، لم يعش الوضع النفسي الذي عاشه الرصافي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عبدالقادر المعيني

    الجواهري قدرة توصف حبه لارضه من الانهار وظفافها هي اكتسبت الناس وترفهم بشعب وقبائل فوجد من الحكم وادارة الا ان يهجوا وصف لهم لتعبيرهاالدقيق لنهراوضفافها تعايش الناس لهذا الوصل هجا من يعرفه هو عرف النهر حيث عرف الضفاف حيث وعرف الحكم حيث قال .... في قصيدة

يحدث الآن

الفيفا يدرس زيادة عدد منتخبات كأس العالم

بريطانيا ترفع 24 جهة من قائمة العقوبات على سوريا

العراق يترقب أمطارا غزيرة تستمر للأسبوع المقبل

وزير الإعمار: نصف مساحة العراق خارج خدمات الصرف الصحي

منفذ طريبيل يمنع دخول 2000 رأس غنم مصابة بأمراض معدية إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram