بغياب مرشح مُعلن من حزب النهضة الإخواني، حسم التونسيون أمس من يكون رئيسهم المقبل، وذلك في الدورة الثانية من أول انتخابات تعددية تشهدها تونس، بين الباجي قائد السبسي مؤسس ورئيس حزب نداء تونس العلماني، والمنصف المرزوقي الرئيس المُنتهية ولايته، تضع حداً للمرحلة الانتقالية الصعبة، التي تعيشها البلاد منذ إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي قبل أكثر من ثلاثة، أعوام ويُنتظر إعلان نتائجها اليوم أو غداً، لتستقبل البلاد عامها المقبل برئيس جديد من اختيار شعبها
النهضة كما يتهمها أنصار السبسي تدعم المرزوقي بشكل غير معلن، غير أن الجناح المتشدد فيها دعا صراحة إلى انتخابه، في حين أعلنت عدة أحزاب وشخصيات سياسية الوقوف إلى جانب السبسي، وإذا كانت الحملة الانتخابية جرت في أجواء هادئة، فإن خطاب المرشحين خلالها حفل بالاتهامات المتبادلة، بين المرزوقي الذي يقدم نفسه كضمانة للحريات التي اكتسبها التونسيون بعد الثورة، ويعتبر أن السبسي وحزبه يمثلان خطرًا على الثورة، لأنهما امتداد لمنظومة الحكم السابقة، فيما ركز السبسي حملته على إعادة هيبة الدولة ومكافحة الإرهاب، الذي حصد أرواح العشرات من عناصر الأمن والجيش، واتهم منافسه بأنه متطرف وخطير
المنافسة قوية إن أخذنا بالاعتبار نتائج الجولة الأولى، التي تفوق فيها السبسي بفارق 6% وما تلاها من اصطفافات، وسيكون لميزات وعيوب الاثنين أثره في النتائج، وبينما يعتقد البعض أن السبسي يحظى بشعبية أكبر بفضل الخصال الكثيرة التي يتمتع بها، فهو رجل دولة تقلد مناصب كثيرة، وله نظرة ثاقبة في بناء الدولة ومعالجة الأوضاع المتدهورة وجلب الاستثمار بفضل علاقاته الدولية، ويؤشرون أن للمرزوقي عيوباً لا تؤهله للفوز، بعد إخفاقه في تسيير البلاد وتسببه في تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتصريحاته المتشنجة التي قسمت المواطنين وأججت الصراعات المناطقية، خصوصاً وأنه متهم باستقطاب أطراف يمينية متطرفة في حملته، ويعمل لتطبيق أجندات جهات أجنبية ويفتقد لمشروع وطني، وأنه أفسد العلاقات مع عدد من الدول العربية.
أنصار المرزوقي يؤكدون فوزه إن لم تزور النتائج وهم يعددون خصاله كواحد من أبرز رموز المعارضة الديمقراطية ضد الاستبداد، وهو ما يفتقده منافسه الذي كان واحداً من أعمدة النظام السابق، ويشيرون أن له رصيداً حقوقياً كبيراً، مكنه من حصد عدة جوائز عالمية في مجال حقوق الإنسان، بفضل دفاعه المستميت عن الحريات ضمن منظمات حقوقية معروفة، وأن ممارسته للطب الاجتماعي وتكوينه الحقوقي وثراء ثقافته وحبه للمحرومين، جعله كثير الالتصاق بهموم الشعب، ومنفتحاً على كل فئاته الاجتماعية، وهو يتميّز بنظافة اليد والتاريخ وعدم التورط في الإجرام، على عكس منافسه السبسي الذي يقال إنه تورط في التعذيب والقتل، عندما كان مسؤولاً بوزارة الداخلية.
نتائج الجولة الثانية سيحسمها تعاطف الناخبين مع كل مرشح، وليس على أساس برامج، غير أن كثيرين يتوقعون فوز السبسي رغم كهولته، إذ يتخطى عمره حاجز الثمانين عاماً، ويتندر بعض الخبثاء بالقول إنهم سيختارونه لضمان انتخابات رئاسية ثانية، قبل انقضاء فترة الخمس سنوات، وهو يحمل إرث عهدين رئاسيين ثار الشعب عليهما، غير أن البديل ضيع الفرصة، حين قفز إسلاميو النهضة الأخوانية إلى السلطة بانتهازية يُعرفون بها، فخلطوا الأوراق موقعين المواطن في حيرة بين طموحه للتغيير ورغبته في الأمن والاستقرار، غير أن المهم أن لايكون مرور الربيع على تونس هامشياً، ومجرد زوبعة في فنجان، وإن أثارت الكثير من الزوابع في عالمنا العربي.
تونس بين المرزوقي والسبسي
[post-views]
نشر في: 20 ديسمبر, 2014: 09:01 م