TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ... وعن " السيادة " يحدثونك

... وعن " السيادة " يحدثونك

نشر في: 20 ديسمبر, 2014: 09:01 م

كان تشرشل قد حقّق النصر لبريطانيا وهزم هتلر في عقر داره، لكن الشعب رأى أن الرجل الذي قاد الحرب لا يمكنه أن يقودَ السلام، فقرر السياسي "البدين" أن يذهب بعيداً ليسطر مذكراته، وكان ديغول أهم شخصية في تاريخ فرنسا، فهو الذي حررها من الاحتلال النازي، وهو الذي أنقذها من الفوضى السياسية, وهو من أنهى عصور الخزائن الخاوية، وحين خرجت التظاهرات تطالب برحيله، نفى نفسه الى قرية في الجنوب ليكتب مذكراته "الحلم بفرنسا مستقرة".. وفي بلدان آسيا خرج الرجل الاسطوري لي كوان من الحكم، بعد ان حول سنغافورة من مستنقع تزدهر فيه الامراض والخوف الى نموذج صعب التقليد في الرخاء والتنمية والازدهار.
اليوم لانعرف من هو رئيس وزراء الصين، وما اسم رئيس كوريا الجنوبية، ولا نقرأ في الاخبار عن خطب المسؤولين في النرويج، ولا نعرف أن حجم اقتصاد دولة مثل الدنمارك يتجاوز اقتصاد دول الخليج مجتمعة.
من هو رئيس وزراء الدنمارك؟ انا متأكد ان الكثيرين لا يعرفون هل هو امرأة ام رجل، إنها يا سادة " هيلي تورنينج شميت، " المرأة التي تؤمن بان الاشتراكية ليست ايديولوجيا تقرأ في الكتب، ولا حرب باردة بين واشنطن وموسكو، انها عدالة اجتماعية ورقي انساني ونزاهة وطمأنينة، هل تعرفون كم عدد العراقيين الذين يعيشون في ظل اشتراكية السيدة شميت؟ تجاوزوا الثلاثين ألفا، لم تشملهم والحمد لله انجازات دولة القانون.
عندما يقرر البعض أن يبيح لنفسه نهب المال العام وقتل الناس على الهوية، عندما تزول حرمة الحياة والوطن فأية سيادة تتبقى؟ لذلك يتحوّل البكاء نوعاً من الضحك، لأن كل شيء يتحول إلى عبث وعجز.. وأتمنى ألّا يسخر مني البعض ويقول يا عزيزي صدّعت رؤوسنا بالحديث عن ديغول وتشرشل ولي كوان، بينما نحن نعيش عبثاً من نوع لم يخطر على بال ابرز دعاة اللامعقول، فعندما تقتطع الموصل وتكريت وتهدد الأنبار وتذبح ديالى، كيف سينظر الناس إلى قول فخامة نائب رئيس الجمهورية وهو يتحدث امس بان ابرز إنجازاته هي: "السيادةَ التي حققها، والتي تعني الإرادة والقرارَ المستقل".
ولأنني اسعى دوما إلى تذكير "فخامته" بما مضى فإنني أعيد على مسامعه ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يوم 13 حزيران نقلاً عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، من أن رئيس الوزراء "انذاك" نوري المالكي طلب من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تدرس توجيه ضربات إلى نقاط تجمع المسلحين، وهو الأمر الذي اكدته المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض قائلة "ان حكومة العراق أوضحت أنها ترحب بأن نقدم دعماً".
أثقلت صفحات السجال العبثي في العراق النقاش الذي يعلو كل يوم مجالس سياسيينا حول، "السيادة وشقيقاتها".. والله العظيم يا جماعة "عيب"، عليكم ان تخجلوا، تتنافسون باسم السيادة على الضحك من مشاعر الضحايا والمهجرين، وكأن ضياع الموصل لا يمس السيادة وقضم أجزاء من الأنبار لا علاقة له بالأمن الوطني، ورفع رايات دولة الخلافة في تكريت مسألة فيها نظر وليست مأساة وجريمة مسؤول عنها قادة عسكريون لا يزال البعض منهم يرفض المساءلة والاستجواب برغم كل الخراب!
هل تعرفون يا أصحاب "السيادة" ان نسوة الموصل يقتلن رجما بالحجارة هل لكم علاقة بما جرى ويجري من خراب؟.
يستخدم ساستنا الاشاوس جميع أدوات اللغة للتأكيد على ان "السيادة" شعار لن ينقرض، وان الطائفية باقية وتتمدد، يذهب ديغول إلى منزله الريفي باسما لانه ترك بلادا مستقرة، وفي بلاد "فخامته" يصر نائب رئيس الجمهورية الى اتهام رئيس الوزراء بانتهاكه السيادة التي ظلت خلال ثماني سنوات عبارة عن خطوط حمر من الدم والأسى وغياب الانسانية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. أبو سعد

    سيدي هل تتصور بان للمالكي وغيره طريق سالك غير تقديمهم للمحاكمه فأن لم يكن اليوم غدا ومن سبقوهم والعراقيون وأياهم على موعدا قريب وقريب جدا وسترى ونحن واياك ذلك ..؟

  2. ام رشا

    أستاذ علي مقالك رائع وكما عهدناك في جميع مقالاتك لا تتحدث الا وكأنك في عقل وضمير جميع العراقيين ،المالكي يكذب ويكذب وهو نفسه يصدق كذبته فعن أي سيادة يتحدث والإرادة التي يقصدها هي إرادة البقاء في الكرسي والحفاظ عليه وتصفية الخصوم باعتبار أنه أي الكرسي من ا

  3. حكمت حسين

    اسعدني حديثك عن الدنمارك ورئيسة وزرائه هيلة شميت .في اليوميات الدنماركية التي اكتبها ورد انها في الشتاء الماضي قامت بتنظيف الرصيف امام بيتها الشخصي من الثلج كما يقتضي القانون . وفي مكان آخر جلست امام البرلمان لمدة اربع ساعات ونصف للاستجواب . وغير ذلك كثير

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram