اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > التحرش بالأطفال.. جريمة تستتر وراء العيب والخجل.. وقانون العقوبات يعاني من قصور وثغرات فـي المعالجة

التحرش بالأطفال.. جريمة تستتر وراء العيب والخجل.. وقانون العقوبات يعاني من قصور وثغرات فـي المعالجة

نشر في: 21 ديسمبر, 2014: 09:01 م

من يرهب الطفولة ، من يرهب البراءة ، لايقل إرهابا عمن يزرع العبوات الناسفة مستهدفا الأبرياء في الشوارع ..شيطان له أنياب يستتر وراء جبنه وخبثه ليلتقط فرصة من هنا وأخرى من هناك ليعضّ ضحيته الضعيفة في ظلمات الغفلة والطيبة والثقة العمياء التي يعطيها البري

من يرهب الطفولة ، من يرهب البراءة ، لايقل إرهابا عمن يزرع العبوات الناسفة مستهدفا الأبرياء في الشوارع ..شيطان له أنياب يستتر وراء جبنه وخبثه ليلتقط فرصة من هنا وأخرى من هناك ليعضّ ضحيته الضعيفة في ظلمات الغفلة والطيبة والثقة العمياء التي يعطيها البريء للشيطان... 

لم تكن هناك دراسات تذكر عن التحرش الجنسي ضد الأطفال حتى عام 1920م ،، ولكن بعد ظهور مثل تلك الحالات وتزايدها في مختلف المجتمعات ،، بدأ الرأي العام العالمي يوجه أنظاره اليها بالاهتمام والدراسة ومحاولة الحد منها . وبحلول عام 1968م قامت 44 دولة من أصل 50 بسن قوانين تلزم الأطباء بالإبلاغ عن حالات إساءة المعاملة المشتبه بها ضد الأطفال..

 

ومن الضروري ان نعلم ، وبحسب إحصاءات طبية موثوقة أجرتها الجامعات العالمية في أميركا وأوروبا من خلال تمويلها لبحوث بهذا الاتجاه ، بان الاعتداء والتحرش بالأطفال يمكن ان يتسبب بضرر عليه في المدى القصير والطويل، بما في ذلك الأمراض النفسية والعاطفية والجسدية، والآثار الاجتماعية والاكتئاب، والإجهاد الذهني، والقلق، واضطرابات الطعام ، وقلة تقدير الذات، والألم المزمن ومشاكل في التعلم، ومشاكل في السلوك مثل الإجرام في سن البلوغ . ولم تستبعد البحوث حتى عملية الانتحار .

وفي مجتمعاتنا العربية لا توجد معلومات دقيقة عن ذلك لان مثل هذه القضايا تقطن مستترة بعباءة (العيب والخجل) من التطرق او الاقتراب منها . ومن ملاحظاتنا للقضايا المتداولة في المحاكم العراقية وجدنا بان الجرائم ضد الطفولة قد ارتفعت معدلاتها وازدادت بأرقام قياسية وأصبحت اكثر قسوة وبشاعة مما كانت عليه في السابق ، ولم يعد المجرم يكتفي باغتصاب الطفولة بل يذهب لقتل ضحيته ورميها عند عارضة الطريق . وهذه واحدة من الجرائم التي سمعناها تتداول في احدى محاكم بغداد... لقد فهمنا بان هناك جريمة منظمة لاغتيال الشعب العراقي وذلك الشيء لا يخفى على احد ، غير ان مايتوارد في أذهاننا هو (هل يتضمن اغتيالنا اغتيال أطفالنا معنا) ؟؟
رفض الإفصاح والتحدث عن الأمر
أجرينا محاولات حثيثة للحديث عن الأمر مع العديد من الأشخاص ومن مختلف الاختصاصات إلا أن البعض يخجل من الإفصاح برغم شعورنا بان لديه الكثير ليقوله حول الأمر والبعض الآخر ينكر وجود ذلك ، إلا أن ( ر . م)، والبالغة 53 عاما ، وهي موظفة في احدى الوزارات نطقت بجملة واحدة مفادها : ( وهل يوجد شخص لم يتعرض للتحرش أثناء فترة الطفولة؟).. 
اما المواطنة هدى .ص( 19 عاما) ، وهي طالبة جامعية فتقول : نعم هناك أشكال متعددة للاعتداء على الأطفال إلا أن الموضوع في غاية الحساسية لذلك لا أريد ان أعطي معلومات اكثر عن ذلك..
وصرح لنا صلاح . ج ( 40 عاما) وهو سائق أجرة بأن "امر التحرش بالأطفال اعتدنا عليه وعلى سماع الكثير من القصص حوله وخصوصا ان كانت هناك حالة انفراد وفرصة سانحة بذلك" ..فقد تعرض هو شخصيا في صغره للعديد من حالات التحرش إلا انه يقول (الحمد لله لم يتم اغتصابي) ،، لذلك فانه يحافظ على أطفاله ويحرص عليهم من حالات الانفراد بالكبار وخصوصا مع أعمامهم او أخوالهم وهو مؤمن بالمثل الذي يقول (احرص واحذر ولا تخون)..
الدكتور (سامان سعدون رجب) اختصاصي بالأمراض النفسية والعصبية قال: برغم تأملنا للعلاج إلا أننا نقف عاجزين في كثير من الحالات.وذكر لنا الدكتور سامان سعدون بان لديه الكثير من الحالات المرضية التي تصادفه عند مراجعيه سببها تعرضهم وهم أطفال الى التحرش بهم سواء بالايماءات او اللمسات او الاغتصاب المباشر ما يؤدي الى انعكاسها عند بلوغهم بصورة أمراض وردود أفعال مختلفة لديهم مثل العزوف عن الزواج وإبداء الرغبة للانعزال والخجل وغيرها . وطلبنا من الدكتور بعض النماذج عن تلك الحالات فقال:
راجعني شاب يبلغ من العمر 30عاما وهو متزوج منذ ما يزيد على الخمسة أشهر ولم يستطيع ان يتم زواجه بصورة طبيعية ، وقد اشارت جميع التقارير الطبية بان حالته البدنية جيدة جدا ولا يعاني من أية أمراض عضوية . وعند جلوسي معه (الجلسات العلاجية النفسية) اتضح بانه تعرض للتحرش به في سن السادسة من عمره من قبل احد أقربائه ولعدة مرات دون ان يعلم أي من أفراد العائلة بذلك وقد أدت الحادثة الى ترك اثر نفسي عميق داخله منعه من ممارسة حياته الاعتيادية كأي شاب في سنِّه..
كما زارتني قبل فترة سيدة كبيرة في السن اتضح بعدها بانها تعاني من ابنتها التي تبلغ (25 سنة) برفضها لفكرة الزواج بصورة مطلقة من أي شخص دون إعطاء الأسباب المقنعة برغم أنها خطبت من العديد من الشباب . وعند حضور البنت بصورة إجبارية من قبل والدتها بناءً على طلبي الى عيادتي كي أحدد الحالة والعلاج ، اتضح لي بعد جلوسي معها بانها تعرضت منذ سن الثامنة من عمرها الى الاعتداء عليها من قبل احد أقربائها ، ومما زاد في مأساتها النفسية خوفها الشديد من ذلك القريب وخوفها من التكلم بالموضوع أمام اي احد .وفي حالة تبدو غريبة راجعني مريض يبلغ نحو 48 سنة طلب علاجا لحالته التي عانى منها مدة تزيد على الأربعين عاما واخبرني بصورة مباشرة بانه تعرض في طفولته الى التحرش الجنسي به من قبل قريب له وكذلك من أصدقائه الأكبر سنا منه في المنطقة بسبب وسامته وشكله الجميل . وبمرور الوقت بدأ بالارتياح والاستمرار بذلك الفعل حتى سن المراهقة ، الا انه توقف بعد ان ادرك ان ذلك الفعل مشين وحرام .. وعندما قرر الزواج واجهته مشكلة عدم القدرة على ذلك ما أدى الى عزوفه عن الزواج نهائيا وبرغم تأملنا لعلاج الكثير من مثل هذه الحالات وغيرها إلا انه في أحيان كثيره حتى الطب يقف عاجز عن العلاج للأسف.. 
 
الحذر والتوعية الأسرية أولى خطوات الوقاية
وأشار الأستاذ عبدالرحيم داود علي (ماجستير علم النفس ومتخصص بشؤون الاسرة) بأن حماية الأطفال من الاعتداءات والتحرشات بمختلف أنواعها هي مسؤولية الأسرة بالدرجة الأولى وحمّل من خلال سرده لبعض قضايا التحرشات مسؤوليتها إلى غياب واضح لدور الأم والأب، مؤكدا على أن واجب الأم والأب هو حماية أبنائهم من خلال تربيتهم التربية الصحيحة وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم لكي تزيد نسبة إدراكهم وقدرتهم دون إخافتهم، مطالبا بمنح الطفل مساحة من الزمن والإصغاء إليه باهتمام حتى يشعر بالأمان وان على الأسرة ان تتعلم وتعلم أطفالها بان هناك قيمة عالية للجسد اي ما يسمى (الخصوصية الجسدية) التي تصل الى حد تحريم النظر واللمس والكشف للغير ...كما أولى الأستاذ عبدالرحيم مسألة استحمام الأطفال أهمية بضرورة عدم تعرية الطفل أمام العائلة كي لا يستسهل الطفل تعرية جسده أمام الغير... واضاف بان ظاهرة التحرش بالأطفال هي ليست وليدة العصر وإنما شهدتها المجتمعات منذ القدم ولكن هناك عوامل ساهمت في اتساع رقعتها وأهمها اختلاف الظروف الاجتماعية وما يشهده الواقع العراقي من تحديات وصعوبات ..كما وسلط الضوء على ضرورة عدم ترك الأطفال مع اي شخص بصورة انفرادية الا للضرورة القصوى وان يتم ذلك بعد توعية الطفل واعطائه الثقة للكلام وضرورة تدريب الطفل على ثقافة (لا تلمسني) وهي ثقافة منتشرة ومعروفة في المجتمعات المتحضرة وتحذير الكبير بان الطفل يحمل من الذكاء والقدرة ما يمكنه من الكلام وفضح أية محاولة غير طبيعية قد تصدر منه ومن اي احد.. واخيرا اكد الأستاذ عبدالرحيم على ضرورة مد جسور الثقة بين الأم والأب من جهة وبين أبنائهم من جهة اخرى ووجود تواصل وحوار دائم بين أفراد الأسرة تفاديا لكل الإشكاليات والظواهر السلبية التي قد تواجه الأسرة.
جملة من العوامل النفسية والاجتماعية تقف وراء الانحراف
الأستاذة ( نادية رضا محمود) باحثة اجتماعية في وزارة التربية قالت: لا تزال المحاولات التي تتصدى لمناقشة قضية التحرش والاعتداء على الأطفال بعيدة عن الولوج من بوابة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه المسألة، بحيث لا تعدو كونها مجرد محاولات إحصائية وفي أحسن أحوالها محاولات متعجلة أو منقولة من الكتب المتخصصة بعيداً عن الدراسات الميدانية المعمقة التي تتكفل بإتاحة الفرصة لنا كباحثين للوصول إلى العوامل الحقيقية المؤدية لهذه القضية التي بدأت تأخذ طريقها لتتحول إلى ما يشبه الظاهرة، مع ما يحمله ذلك من قلق لمجتمع أبرز سماته أنه محافظ استنادا إلى خلفيته الدينية والثقافية على الرغم من الانخراط في مقتضيات الانفتاح الحضاري والتي تجعل من الصعب على أي مجتمع أن يكون بمنأى عنها جراء متطلبات الحياة الحديثة.. وتبقى المسألة الأهم في هذا الإطار مرتبطة بعدم النظر إلى الأسباب المؤدية لهذه القضية على أنها متكئه على عامل واحد فقط وهو إهمال الأسرة لأطفالها ، بل يجب إدراك أن جملة من العوامل النفسية والاجتماعية تقف وراء مثل هذه الانحرافات والحالات اللا اخلاقية..
المحامية (دنى عباس فاضل) المستشار القانوني في وزارة المالية تقول :
ان جرائم التحرش الجنسي بالأطفال من افظع الجرائم التي جرمها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969م.. واعتبرها ضمن الظروف المشددة عند إيقاع العقوبة ..وقد عالج المشرع العراقي ضمن الباب التاسع من قانون العقوبات وهو باب الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة في المادة (393) الفقرة الثانية منها باعتبارها ظرفا مشددا اذا وقع يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت كل من واقع (أنثى او ذكرا) بغير رضاها او رضاه اذا كان من وقع عليه الجرم (الضحية) لم يبلغ سن الثامنة عشرة عاما كاملة..
وتسترسل قائلة: إلا إنني وأقولها بكل اسف أرى ان القانون العراقي لم يضع بابا او نصا قانونيا مخصصا لفئة الأطفال على وجه الخصوص اذ ان القانون يعاني من بعض الثغرات التي غفل عنها المشرع العراقي لجرائم التحرش الجنسي بالأطفال فمثلا ان لهذه الجريمة أبعادا نفسية وجسمانية واجتماعية خطيرة على الطفل فمن باب أولى ان يحصل (الطفل الضحية) على تعويضات مادية تمكن أهله من معالجته والعناية به عناية خاصة بعد ما مر به من تجربة قاسية لا يتحملها حتى الكبير بالسن ،، بمعنى ان يخصص المشرع العراقي بابا مستقلا للنظر بالعقوبات الخاصة بمثل هذه الجرائم وان تشرع مواد عديدة تكفل (حق الضحية) بالحصول على التعويضات والعلاج عن الضرر الذي تسبب له من جراء الجريمة التي وقعت عليه ،، وفي الحقيقة ليس من الصعب على المشرع العراقي الذي عرف بخبرته الطويلة ان يسن مثل هكذا تشريع يتناول من خلاله جميع زوايا الجريمة ويقوم بمعالجتها بشكل اعمق وادق ليحمي (الطفل الضحية) وبالتالي فهو يحمي المجتمع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram