الغاضب الشيعي على الساسة السنّة، يأمل بينه وبين نفسه، ان يحصل تحول هادئ في الأحزاب الشيعية، يجعلها اقل فسادا واكثر رصانة وحكمة، ولكن الأمر ينقلب حين يتعلق الأمر بالساسة السنّة، اذ يدعو الى كنسهم بالكامل بقرار فوري، وحصول معجزة سريعة تأتي بساسة سنّة جدد! هذه مفارقة تشتغل داخل رأس كثير من صانعي السياسات ايضا. وهي مفصل معرقل للسلم الأهلي برمته، وسأخوض فيه أدناه.
هناك غضب كبير نال الساسة السنّة بمجرد انعقاد مؤتمرهم في اربيل. واشنطن وبغداد تطلبان من السنّة ان يتوحدوا، والوحدة ممتنعة في العراق، فالمقصود بها تكريس أوسع جبهة سياسية لتتولى بناء التفاهم داخليا ودوليا، في حرب داعش. ومؤتمر اربيل قام بتوفير هذه المجموعة الأوسع تمثيلا، وفي المدى المنظور لن تتمكن أية مجموعة سنّية اخرى من بناء تحالف كهذا، بالعدد والنوعية والخبرة السياسية.
لكن المؤتمر استثار غضبا. وهو غضب سنّي تارة وشيعي اخرى. فالسنّة محبطون من ساستهم، مثل باقي العراقيين، وإحباطهم طبيعي بعد ان تحول مليونا سنّي الى مشردين، وبقي بضعة ملايين تحت رحمة أقدار مروعة مرتهنين بالخوف. والسنّي الغاضب يأمل بان تنزل عليه من السماء طبقة سياسية نزيهة وخبيرة وقوية، والسماء تتباطأ طبعا في النظر بهذا النوع من الرغبات، وتحيل السائلين الى قواعد التاريخ الطبيعية، تحت شعار ان زمن المعجزات لن يعود.
اما الشيعي الغاضب على الساسة السنّة، فهو غاضب ايضا على الساسة الشيعة، لكنه رضي بالفئة الاخيرة كواقع حال، وراح يصب جام غضبه على زعماء المكون السنّي، وهو عاش آملا بان يجري "كنسهم" بعد داعش، الا ان الأمل تبخر، فبعد ٦ شهور من الحرب، لم تفرز الساحة السنيّة خبراء في السياسة، معروفين لنا وللدولة والجمهور، سوى هؤلاء، الى جانب زعماء قبائل يضحون بأبنائهم في قتال داعش، ونحن ننظر اليهم بعين الريبة والشك، دون ان نقدم حلاً عمليا، سوى ان نتمنى ان يتحولوا الى موظفين لدينا على غرار وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي!
الغاضب السنّي لا خيار لديه على المدى القصير، سوى ان يكتشف الإصلاح الممكن داخل الساسة المتاحين. وهو مثل الغاضب الشيعي الحانق على أحزابه، والعاجز عن اكتشاف حل سحري.
لكن الغاضب الشيعي الذي لا يمتلك ممكنات الثورة، ويأمل بينه وبين نفسه، ان يحصل تحول هادئ في الأحزاب الشيعية، يجعلها اقل فسادا واكثر رصانة وحكمة، ينقلب حين يتعلق الأمر بالساسة السنّة، الذين يتمنى كنسهم بالكامل وحصول معجزة تأتي بساسة سنّة جدد! هذه مفارقة تشتغل داخل رأس كثير من صانعي السياسات ايضا. وهي مفصل معرقل للسلم الأهلي برمته. ويحتاج ان نحاكم منطقنا وقواعد لعبتنا ودروس الموت على مدى خمسة عقود.
المقال هذا حرضني على كتابته الصديق مشرق عباس، الذي نشر على حسابه الشخصي في فيسبوك ما يلي:
"في الشراكة يتم تقبل الشريك بعلّاته وأخطائه... والمراهنة على الوصول الى نقطة انسجام. يخطئ احد الشركاء عندما يعتقد انه كامل، وان على الشريك وحده ان يتغير ليرضيه. في الغالب تصل الشراكات الى نقاط تقاطع.. احياناً تقود الى الانفصال عندما يصر كل شريك انه مظلوم بالمطلق وان شريكه ظالم بالمطلق، فيكون ثمة تحد لنسبية الأشياء والقوانين في الكون. ان معظم الانفصالات ليست بسبب الافتقار الى العاطفة بل نقص الحكمة والشجاعة.
الكراهية ليست دائما لأسباب عميقة، فالشركاء قد يصلون الى كراهية بعضهم، وعندما تعود في التحليل لتعرف أساس هذه الكراهية تجد ان أسبابها تافهة وغير موضوعية، وان هذه الأسباب قادت الى أخطاء كبيرة ومتراكمة.
المبادرة حجر زاوية في إنقاذ الشراكة. المبادرة يقدم عليها الأكثر شجاعة والأكثر رغبة في مواصلة الشراكة. يخسر الجميع فرصة المبادرة عندما يقع في فخ مشاعر الاضطهاد.
إنهاء الشراكة حدث مؤلم يحفر في الروح ندباً غير قابلة للشفاء احياناً.. وربما بعد سنوات، وفي أوقات المراجعة التي يفرضها الوقت بدل الضائع، يكتشف الجميع انه كان بالإمكان غير الذي كان".
الغضب على سنَّة العراق
[post-views]
نشر في: 22 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
احمد العبود
من الواضح ان السياسيين السنة وضعوا انفسهم ونحن معهم في مأزق فلاهم استطاعوا انتزاع حقوق المكون الذي ينتمون اليه ورضوا بوصمه بالارهاب وضاع المكون بين قتيل وجريح ومهجر ولا هم تنحوا جانبا ليفسحوا المجال لغيرهم عسى ان يكونوا افضل منهم في انتزاع الحقوق فلم يكتف