TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حكاية بطل من ذاك الزمان

حكاية بطل من ذاك الزمان

نشر في: 22 ديسمبر, 2014: 09:01 م

هذا "البطل من ذاك الزمان" أكتب عنه لأنني عرفته عن قرب منذ الصغر.. كان صديقاً ورفيقاً لوالدي، وكنت في أحيان عدة رسولاً بينهما، أنقل من والدي إليه والى رفاق آخرين لهما رسائل سرية وأعود بمثلها، فهم جميعاً كانوا، في مطلع ستينيات القرن الماضي، ناشطين شيوعيين يعرفهم الجميع.. ويحلفون برؤوسهم.
كان المعلم جواد عبد الحسين السلطان من الشخصيات البارزة في ناحية المدحتية (بابل). مربّ فاضل، جمع بين الجدّ والعطف والحنو.. وجهه الباسم دائماً يعكس روحه الطيبة .. أبوه من وجهاء البلدة المرموقين، وهو نفسه كان كوالده قدوة وانموذجاً في خلقه الرفيع.
مات جواد عبد الحسين السلطان وهو في عمر الزهور.. قتله الحرس القومي البعثي في الأول من تموز 1963. عندما وقع انقلاب 8 شباط تدبّر أمره واختفى مواصلاً نشاطه الحزبي السري، لكن عناصر الحرس القومي لاحقوه من مكان الى آخر حتى حاصروه وقتلوه في ريف النجف، وفيما احتفلوا بجريمتهم بتوزيع صورته مقتولاً في المدحتية لم يفصحوا عن المكان الذي دفنوا فيه جثته. ولم تستطع عائلته الاهتداء الى قبره الا بعد أن سقط نظام البعث الاول بانقلاب 18 تشرين الثاني، حيث نُقل الجثمان إلى مقبرة وادي السلام.
لم تنته حكاية جواد عبد الحسين السلطان عند وادي السلام والألم الممضّ الذي خلّفه موته الفاجع، لكن البطولي، لدى عائلته ورفاقه وأصدقائه وتلاميذه، فعندما عاد البعثيون الى السلطة في 1968 طالبوا والده بدفع ما كانت الدولة قد أنفقته عليه في معهد المعلمين العالي .. هي لم تكن دولتهم بالطبع وانما دولة فيصل الثاني ودولة عبد الكريم قاسم. وما كان لوالد الشهيد الا أن يدفع للقتلة الذين لم يشفع لضحيتهم وعائلته انه لم يترك الوظيفة طائعاً مختاراً، وإنما هم الذين أخرجوه من الوظيفة والحياة في جريمة نكراء طالت الآلاف من خيرة أبناء العراق.
مرة أخرى لم تنته حكاية البطل من ذاك الزمن جواد عبد الحسين السلطان عند تسديد أجور الدراسة، فبعد التغيير في 2003 وانشاء مؤسسة الشهداء، تقدّمت عائلة الشهيد التي لم يكفّ نظام البعث عن التعسف في حقها، بطلب الى المؤسسة بإعادة الاعتبار الى ابنهم البطل بوصفه من شهداء النظام المقبور. وبالفعل صدر القرار بذلك في العام 2009 وبتخصيص راتب تقاعدي الى إحدى شقيقات الشهيد التي كانت من دون معيل.
ولم تنته الحكاية عند هذا أيضاً ففي مطلع العام الماضي تراجعت المؤسسة عن اعتبار الشهيد جواد عبد الحسين السلطان شهيداً، بدعوى انه قتل قبل 17 تموز 1968 وليس بعده!!، وألغت قرارها السابق .. ولم تنته الحكاية عند هذا أيضاً، فكما فعل بعثيو 1968 طالبت المؤسسة شقيقة الشهيد بإعادة المبالغ المصروفة لها .. المفارقة ان شقيقة الشهيد قد توفيت في الأول من نيسان من العام الحالي، ولم يشفع موتها لأبنائها المعاقين، فمؤسسة الشهداء تقف الآن على باب دارهم مطالبة بردّ ما صرفته لأمهم الراحلة!!
موظفو مؤسسة الشهداء الواقفون على باب الشقيقة الراحلة ومعم كبار المسؤولين في المؤسسة يعرفون بالتأكيد، كما يعرف كل العراقيين، ان ثمة رؤوساً كبيرة في هذه الدولة تستحوذ سنوياً على المليارات من الدولارات من المال العام والخاص على حد سواء، ولا أحد يقف على أبوابهم مطالباً بردّ السحت الحرام الذي يسرقون!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 6

  1. khawla

    Thanks. ...حسبنا الله ونعم الوكيل ..يظلم اﻷنسان في حياته مصيبه؟لكن يظلم بعد وفاته هي مصيبة اخرى!!!. د.خولة عبدالجبار زبدان الجبوري

  2. عطا عباس خضير

    عزيزي عدنان حسين ... تحية حارة أنك لا تكتب عن الشهيد المعلم ( جواد عبد الحسين السلطان ) وحسب ، بل تكتب تماما عن رفيقه وصديق عمره الذي أستشهد في الفترة ذاتها وتحديدا في 31 8 1963 في ريف الطليعة بين الحلة والديوانية ،أقصد والدي الفلاح الشيوعي ( عباس

  3. جبار ياسين

    عدنان ، مقالتك رائعة . ياو يلي على المظلوم

  4. عمار

    أولا شكرا جزيلا لك لرفع حقيقة المظالم التي يتعرض لها أبناء الوطن الشرفاء وعوائلهم بل حتى أحفادهم المعاقين. ثانيا من الغريب أن لا يحس وأن يقوم من وقع عليه الظلم والتعسف والقهر بظلم الآخرين وأي ظلم بأبشع مما تعرض له. موظفوا مؤسسة الشهداء يجب أن يثوروا ضد أي

  5. إنعام كجه جي

    حكاية المعلم الشهيد تختصر قصة العراق.

  6. Aa462740

    عزيزي الصحافي البطل ابو فرح كم نحن بحاجةالى من بامكانةان ينقل همومنا والتي هي هموم الوطن الذي ابتلي بالظلم المتراكم علينا .نفتخر بك ونشد على يديك .

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram