TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شكرا للمرحوم حسقيل

شكرا للمرحوم حسقيل

نشر في: 24 ديسمبر, 2014: 09:01 م

عندما تشاهد على شاشات التلفزيون، ما تقوله النائبة ماجدة التميمي عن المبالغ "المليارية" التي تصرف على تأثيث مكاتب عدد من المسؤولين، وعن الوزير الذي يصرف الملايين على راحته الشخصية، ماذا يخطر ببالك؟ لا ادري، أما انا فيخطر لي ان ارفع برقية اعجاب وتقدير لهذه النفوس التي لا تريد ان يغادرها الحنين الى "لفلفة" المال العام.
تشكل تصرفات بعض المسؤولين إدانة أخلاقية ليس لجوهر العمل السياسي فقط، بل للكيفية التي يتعامل بها البعض مع مفهوم ادارة مؤسسات الدولة،أصبحنا نقرأ ونسمع عن مسؤولين فاسدين وظفوا موازنة دوائرهم لمنافعهم الشخصية، وغادروا من غير أن يتركوا منجزا واحدا يذكر الناس بما يجري.
تقدم لنا حكاية ساسون حسقيل الاقتصادي والرجل المالي الكبير الذي تولى وزارة المالية خمس مرات في أوائل تأسيس المملكة العراقية، أنموذجا للتفاني والنزاهة فالرجل ومن شدة حرصه على المال العام قد ذهب اسمه مثلا، فتجد العراقيين يقولون لمن يتشدد في امور المال "يمعود لتحسقلها زايد"، يكتب علامة بغداد جلال الحنفي في كتابه معجم الألفاظ العامية البغدادية: "ارتبطت مفردة حسقلة بوزير المالية ساسون حسقيل الذي عرف عنه حرصه الشديد على ميزانية الدولة العراقية وتشدده في امور الصرف".
ويقول عبود الشالجي في موسوعته "الكنايات البغدادية" أن مفردة حسقلها جاءت من كلمة حسقيل وهو اول وزير مالية عراقي عرف بتشدده ومحاسبته في كل ما يتعلق بشؤون المال.
ولعل من اشهر الروايات عن الوزير ساسون حسقيل ما جرى بينه وبين ناجي السويدي حول مبلغ "45" دينارا والتي كانت ضمن التخصيص المالي الذي قدمه السويدي الى وزير المالية لترميم بناية "القشلة" التي كانت انذاك ثكنة عسكرية:
السويدي: سيد حسقيل لماذا اقتطعت (45) دينارا من الـ (300) دينار المخصصة لترميم بناية القشلة وفق تخمينات المهندس المسؤول.
ساسون حسقيل: يا سيد ناجي افندي ناقشت هذه المسألة مع المهندس في موقع العمل ودار بيني وبينه حديث طويل وتوصلنا الى نتيجة مفادها بأن (255) دينارا تفي بالغرض.
ناجي السويدي: خلف الله عليك ساسون افندي اليس بالإمكان اعادة مبلغ التخمين الى (300) دينار. ان القشلة من المعالم التاريخية لبغداد.
ساسون: سيدنا الحفاظ على المعالم التاريخية في بغداد يجب ان يكون متوازيا مع الحفاض على المال العام.
وبعيدا عن الإهدار فالإهدار يجعل من المال (سائبا) والمال السائب يعلم السرقة ولاعجب ان تخرج بغداد باسرها تشيع جنازة الوزير ساسون يتقدمها الرصافي راثيا:
نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت
بغــداد أمّ المجد تبلى وتندب
ولا غــرو ان تبكيــه اذ فقــدت به
نواطق أعمالٍ عن المجد تُعرب
في كتاب غازي القصيبي " الوزير المرافق" استوقفني حواره مع رئيسة وزراء الهند انديرا غاندي حين سألها عن شعورها وهي خارج الحكم.. فاجابت:" لا تصدق ولا احد يصدق ان حجرا ضخما قد ازيح عن صدري.. وعندما خرجت من الوزارة بدأت القطيعة والاتهامات ضدي، منها انني سرقت خمس دجاجات وست بيضات.".- بالضبط خمس دجاجات لا خمسة مليارات أسوة بمسؤولي هذه الأيام -.
يتوقف المشاهد العراقي لحديث السيدة التميمي أمام نقطة مهمة: ماذا حدث لمداخيل النفط، في ظل الفساد خلال السنوات الماضية، وماذا صرف منها على الشعب، وماذا نهب وهرب خارج البلاد؟ إذ بموجب معدل عام بسيط، ومتواضع، لا بد ان تكون الموازنة العراقية قد أفادت خلال الثماني سنوات الماضية من حوالي 600 مليار دولار، لم نسمع او نشاهد ان مسؤولاً توقف امام هذا الرقم وقال للسراق "حسقلوها".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. lمحمد توفيق

    نزاهة ساسون حسقيل وزير المالية في فترات استيزاره مضرب الأمثال ، ويورد الجواهري الكبير في مذكراته الجزء السادس حادثة، وهي أن الملك فيصل الأول رغب في جعل الجواهري مستشاراً له أو مدرساً لأولاده، وهكذا حصل ، لكن الملك كان متضايقاً من الجبة والعمامة التي يدخل

  2. بغداد

    شكراً لك ذكرت لنا قصة وزير المالية حسقيل ساسون العراقي الشريف وبعد ما قرأت ما ذكرته عنه قلت رحمة الله عليك يا حسقيل ساسون ولعنة الله على حرامية المنطقة الخضراوية التي صمم برامجها اللصوصية قطاع الطرق واللصوص الامريكان مافيات الشركات النفطية والغازية المسؤو

  3. محمد سلمان

    نداء – نداء من حسقيل ساسون الى كل من يملك ذرة صغيرة جدا من شرف الوطن والشعب بعد ان عرفتم نزاهتي نتوجة الى كل منظمات المجتمع الوطني الغير مرتبطة بسلسلة الحرامية التي جاءت بهم امريكا والتي بدات تنهب منذ 2003 ولحد الان هذا النداء وجهة الى جميع من يملك الشجاع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram