خلال الحرب العراقية –الإيرانية ، أجل العراقيون الكثير من مشاريعهم ومخططاتهم لما بعد انتهاء الحرب ولما شعروا انها ستطول نذرت الأمهات النذور عسى ان يشهدن نهاية الحرب ..وتنوعت النذور بين امرأة عجوز قررت ارتداء ثوبا أحمر واخرى قررت ان ترقص في الشارع أمام الناس عدا نذور أخرى حققتها الأمهات بعد ان حل نبأ انتهاء الحرب كمفاجأة أخرجت الناس عن طورهم فرقصت النساء دون نذور والقى الشباب بقمصانهم كدلالة على إلقاء حمل ثقيل عن كواهلهم ورقصوا عراة وتراشقوا بالماء في الشوارع ..
بعد سنوات قليلة ، دخل العراق في دوامة حرب الخليج وبعد ان كان الموت خلف الحدود زحف الى داخل المدن وثكلت الأمهات من جديد وتهاوت الأبنية الجميلة وارتدى العراق ثوب الحداد فلم يكن أمام الأمهات الا ان ينذرن نذورهن أملا في انتهاء الحرب والحفاظ على ما تبقى لهن من الأولاد ..وانتهت حرب الخليج وخرج العراق منها يجرجر أذيال الهزيمة بينما تصدح حناجر الشعراء والمطربين بأغنيات النصر المؤزر وتبجيل القائد الضرورة ...بعدها بفترة قليلة ، حل الحصار الاقتصادي الظالم كما اطلقت عليه الحكومة العراقية آنذاك - فنحن امة أحبت ان تنام مظلومة ولا تنام ظالمة- وأن تعزي نفسها بتحدي القوى الكبرى بالصراخ في المنابر وإصدار بيانات النصر كما تتحدى النملة الفيل ، لهذا حظينا بسخرية القوى الكبرى فعاقبتنا بحصار أعادنا الى عصر ( اللالة والفانوس ) و( بسكويت التمر ) وترشيد استهلاك كل شيء بما فيه أحلامنا وطموحاتنا التي تأجلت جميعا بانتظار انتهاء الحصار ..امهاتنا بدورهن عانين اكثرمن أي شخص آخر من ثقل الحصار لأنه وضعهن أمام تحديات مرهقة بشد الأحزمة وإقناع أفراد عوائلهن بالاقتصاد في المأكل والملبس ومشاريع العمل والزواج وهكذا وبعد ان فعلن كل ما بوسعن لمقاومة الحصار الظالم لم يبق أمامهن الا النذور التي تنوعت بين ذبح الخرفان والصيام وتوزيع ( خبز العباس ) على أمل انتهاء الحصار ...كانت هناك ايضا نذور سرية تخشى الامهات الجهر بها لأن المقصود بها نهاية عصر الدكتاتورية ولابد انها كانت من اغرب انواع النذور لشدة يأسهن من انتهاء تلك الحقبة ..
بعد سقوط النظام السابق ، تصورت الأمهات ان نذورهن قد تحققت بقدوم الحرية والديمقراطية لكن تتابع السنوات بايقاع سريع مليء بالأحداث المثيرة والخطيرة وتزايد حجم الفقدان والحرمان بالمقارنة مع المكاسب والإنجازات أعاد الامهات الى نذورهن لكنها لم تعد تنفع امام تزايد الخسارات والإحباطات واليأس من التغيير ..مؤخرا ، تحول مؤشر بوصلة النذور نحو الأمل باقرار الموازنة المالية لتحقيق احلام كثيرة يترقبها المواطنون بصبر ..زيادة الرواتب ، اطلاق القروض ، صرف منح النازحين ،تنفيذ مشاريع عديدة في الدولة وغير ذلك لكن النذور لم تكن كافية كما يبدو وسيعيش العراقيون عهد تقشف هذه المرة في كل شيء وبدلا من انتظار الخير الوفير على ايدي دعاة الديمقراطية والتغيير امتصت الذئاب البشرية دم المواطن بإنفاق أموال الدولة وافراغ خزائنها وعاد المواطن الى محطة انتظار تغيير حياته ومصيره بتحطم آخر احلامه على صخرة العجز المالي والموازنة الجديدة.
نذور الامهات
[post-views]
نشر في: 26 ديسمبر, 2014: 09:01 م