TOP

جريدة المدى > الملحق الاقتصادي > ايضاحات حول مقترح .. تشريع موازنة للتصرف بالعملة الأجنبية من المورد النفطي

ايضاحات حول مقترح .. تشريع موازنة للتصرف بالعملة الأجنبية من المورد النفطي

نشر في: 14 ديسمبر, 2009: 03:10 م

احمد ابريهي علي - نائب محافظ البنك المركزي العراقيمراجعة مفهوم الاعتماد على النفط النفط ثروة وطنية سيادية وتمثل عملية استخراج النفط للتصدير تسييلا لها اي تحويل جزء منها الى عملة اجنبية. وعندما تعرف التنمية بمقياس نمو الثروة الوطنية بمجموعها يواجه المجتمع ونخبته السياسية تحديا كبيرا،
لان ذلك يعني وجوب تكوين ثروة مادية اضافية على سطح الارض تعادل في الاقل قيمة الجزء المسيل من الثروة النفطية. لكن المحاسبة الاقتصادية المعتمدة في العراق وكل البلدان النفطية لا تنسجم مع هذا المبدا وتنظر الى المورد المالي من النفط الخام وكأنه قيمة مضافة من عمليات استخراجه في حسابات الناتج المحلي، الا ان هذه الممارسة لا تلغي وجاهة النظر الى النفط بصفته ثروة بدليل قيمته وهو في باطن الارض. الريع هو الجزء الاكبر من سعر النفط وقد يصل الى 90 % منه في العراق، اذ لا يشبّه النفط بقية منتجات قطاع التعدين والاستخراج. ولو اظهرت المحاسبة الاقتصادية النشاط النفطي على اساس مفهوم الثروة وتسييلها الى جانب الحسابات المتعارف عليها لأدى ذلك الى تعميق الوعي الاقتصادي. بموجب مفهوم الثروة ينظر الى نفقات الاستكشاف والتكاليف الثابتة والمتغيرة للاستخراج والنقل والتصدير على انها تكاليف صفقة Transaction Cost، اي صفقة تحويل الثروة من شكل الى اخر. وبموجب ما تقدم فان تقليل الاعتماد على النفط لا يعني تحويل الارتكاز من قطاع انتاجي معين هو النفط الى قطاعات اخرى، بل مطالبة المجتمع بالاعتماد على الانتاج مقوما لحياته بديلا عن استهلاك الثروة، الذي يجري، في العادة عبر اقتسام الريع وفي سياق من النزاع المستتر او المكشوف، احيانا، بين مطلب العدالة التوزيعية ومقتضيات الإنفاق على اجهزة الدولة وطموحات اخرى. من الواضح ان قدرتنا على استخراج النفط محدودة وتفيد التصريحات بعدم امكانية اتخاذ تدابير عاجلة لزيادتها ومع تراجع سعر النفط الى مستوياته الحالية اصبح المورد المالي من المصدر النفطي ضئيلا مقارنة بحجم الاعتماد عليه وهو ما يعبر عنه بعجز الموازنة. الادارة المالية في البلدان النفطية ومنها العراق انتبهت من وقت مبكر الى خطورة تزايد الانفاق العام ممولا من المصدر النفطي، والدليل على ذلك اعتمدت بعض البلدان مقياس العجز غير النفطي وهو الفرق بين الانفاق الحكومي والايرادات غير النفطية، وفي العراق كان مؤشر عجز الموازنة الجارية متداولا منذ وقت مبكر، ويعني عجز الموازنة الجارية مقارنة النفقات غير الاستثمارية بالايرادات غير النفطية على امل تنمية الايرادات الضريبية وارباح الشركات العامة وما سواها حتى تكفي لتغطية النفقات الجارية كي تخصص الموارد النفطية للاستثمار. لكن الفهم المالي للعجز سواء في العراق او البلدان النفطية الاخرى يفتقر، مع الاسف الشديد، الى الاساس الاقتصادي المنسجم مع طبيعة المورد النفطي. ولايضاح ذلك ان المالية العامة لا تفرق بين موارد الصادرات بالعملة الاجنبية وايرادات الضرائب والرسوم بالعملة المحلية، وتتجاهل حقيقة مهمة وهي ان تحويل موارد النفط الى الدينار العراقي، الريال،الدرهم وغيرها هو تحويل حسابي ابتداءً ولا يتحول بالفعل الى عملة وطنية الا جزئيا وعبر عملية اخرى تتسم بقدر من الخفاء والتعقيد. المورد النفطي الذي هو عملة اجنبية يستخدم لتمويل استيرادات الحكومة ومدفوعاتها الخارجية الاخرى بصورة مباشرة، وبصورة غير مباشرة لتمويل المدفوعات الخارجية للقطاع الخاص وهي عملية تقع خارج الموازنة، ان اية سياسة جادة لتقليل الاعتماد على النفط في الاماد المتوسطة والبعيدة تحتاج التعامل مع هذه الحقيقة الاقتصادية. ولما تقدم لا تكشف مؤشرات عجز الموازنة الجارية، التي كانت متداولة في العراق والعجز غير النفطي في بلدان اخرى، عن الحقائق بما يساعد على اضاءة الطريق لتقليل الاعتماد على النفط، ويتطلب الامر، تحضير موازنتين احداهما للانفاق الحكومي بالعملة الاجنبية وهو انفاق يتجه الى الخارج والاخرى بالعملة المحلية والذي يتجه الى الداخل. والموازنة الاولى في حالة فائض على الاغلب، والموازنة الثانية في حالة عجز دائم. من الضروري استهداف الوصول الى وضع تكون معه تدفقات الموارد الخاصة الى العراق ‘ الاستثمار الاجنبي وعودة راس المال المهاجر والصادرات غير النفطية كافية لتمويل استيرادات القطاع الخاص ومدفوعاته الاخرى الى الخارج، فهذه تمثل المحطة الاولى لتقليل الاعتماد على النفط بالمعنى المالي Financial، كي تبقى فقط استيرادات الحكومة والتزاماتها الخارجية تعتمد على النفط. ان التمييز بين الايرادات والنفقات الحكومية حسب العملات ضروري من الناحية العملية اضافة على اهميته لإيضاح الحقيقة الاقتصادية. موارد العملة الاجنبية والتصرف بها لا تكشف الموازنة المالية العامة للدولة، في صيغتها الحالية، عن كيفية التصرف بالمورد النفطي. بل هو رقم، بمليارات الدولارات، يضرب بسعر الصرف للوصول الى رقم اخربترليونات الدنانير تضاف اليه الايرادات الداخلية من ضرائب وغيرها ويخصص المجموع على ابواب الإنفاق المختلفة، حتى ان الحكومة لا تعامل مستورداتها ومدفوعات التزاماتها الخارجية بصفتها جزءا من مجموع العملة الاجنبية للمورد النفطي، بل هي من جملة ترليونا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

العراقيون ضحايا فكين مفترسين: غلاء العقار وإهمال الدولة

العراقيون ضحايا فكين مفترسين: غلاء العقار وإهمال الدولة

  بغداد/ نوري صباح كما تتوالد الحكايات في ألف ليلة وليلة، الواحدة من جوف الأخرى، بالنسق ذاته، تتوالد الأزمات في العراق، ولا تشذ عن ذلك أزمة العقارات والسكن التي يقاسيها العراقيون منذ سنين عديدة، فليست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram