كانت الصدمة أكثر من شديدة على المجتمع الأردني، فور علمه بسقوط طائرة من سلاح الجو، خلال هجوم لها على مواقع لتنظيم داعش في الرقة السورية وأسر قائدها، وكأن ذلك لم يكن متوقعاً ولا في الحسبان، وكأن طيارينا كانوا يتنزهون في سماء سوريا، وإذا كان هذا حال المجتمع الذي أظهر معظمه التفافاً حول مؤسسة الجيش، فيما انتهز معارضون لانخراط الأردن في التحالف الدولي الفرصة للشماتة، فإن مؤسسات الدولة بادرت فوراً بتدشين مفاوضات سرّية غير مباشرة مع داعش لتحرير الطيار الأسير ، وشكلت غرف عمليات على أعلى المستويات، وبدأت بإجراء اتصالات مكثفة مع أطراف إقليمية "تركيا وقطر"، ومع شخصيات سياسية وعشائرية فاعلة داخل العراق، للبحث عن وساطات، ومناقشة كافة السيناريوهات للخروج من الأزمة بأقل التكاليف.
كل التحركات تصب أخيراً في مكاتب "المخابرات العامة والاستخبارات العسكرية"، ولن يكون مفاجئاً انخراطهما في مفاوضات مباشرة مع داعش، خصوصاً وأن لدى المخابرات الأردنية قاعدة بيانات ضخمة عن الشخصيات المؤثرة داخل التنظيم، وقد نجحت بالفعل سابقاً في التواصل مع شخصيات فيه، من خلال اختراق مواقعهم وصفحاتهم على الإنترنت، وليس سراً أن هناك اليوم مفاوضات غير مباشرة تجري وراء الكواليس، وأن عمان مستعدة للدخول في تسوية تضمن استعادة طيارها الأسير، وثمة من يشير إلى صفقة يتم بموجبها الإفراج عن معتقلين متهمين بالإرهاب على غاية من الأهمية بالنسبة لداعش، لكن ذلك لايعني المساومة على الموقف من محاربة الإرهاب، أو البقاء جزءاً مهماً من التحالف الدولي.
في الجهة المقابلة تتم اجتماعات شورى مكثّفة، يعقدها الدواعش على أعلى المستويات، لبتّ مصير الطيار الأسير الذي يخضع لتحقيقات أمنية، وقد يتمخض عنها إطلاق سراحه مقابل تنفيذ شروط معينة، وباعتبار أنه ليس أردنيّاً فحسب من وجهة نظر التنظيم، بل هو جزء من حملة عالميةً، ما يعني أن على دول التحالف أيضاً أن تدفع ثمناً مقابل إطلاق سراحه، يجري ذلك وسط تباين الآراء حول مصيره، حيث يميل فريق "العراقيين" إلى القبول بافتداء الأسير، فيما يميل فريق آخر "الشيشان" إلى القصاص منه، لأنه شارك في قتل المسلمين، وإلى أن يُحسم الأمر، ويتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، سيسعى الدواعش إلى استغلال الواقعة واستهلاك عنصر الوقت إلى آخر لحظة، حتى ولو كان القرار تصفية الأسير، بعد طرح طلبات تعجيزية.
على الهامش ينشط سلفيون أردنيون كوسطاء محتملين، ومنهم أبو سياف وهو زعيم للسلفيين الجهاديين، الذي أصدر بياناً صحفياً قال فيه إن تنظيم الدولة سيطلب من الأردن إطلاق أسرى يخصونه مقابل إطلاق الرهينة الأردني، ومن أبرزهم العراقيه ساجدة الريشاوي التي أرسلها الزرقاوي عام 2005 لتشارك في جريمة تفجير الفنادق، والعراقي زياد الكربولي المدان بالانتساب للقاعدة وجريمة قتل سائق شاحنة أردني، ومعمر الجغبير المدان باغتيال الدبلوماسي الأميركي توماس فولي المسؤول في الوكالة الأميركية لمساعدات التنمية.
سيناريو الصفقة مطروح بقوة من خلال تفعيل القنوات الخلفية مع داعش ولن يضير الأردن استبدال الطيار الأسير بمعتقلين محكومين بالإعدام دون تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم، غير أن طلب الانسحاب من التحالف ووقف الضربات الأردنية مرفوض، وأن السقف المقبول أردنيا لن يتجاوز تبادل معتقلين، وما على الأردنيين الذين أيدوا الانخراط في التحالف الدولي ضد الإرهاب، غير القناعة بأن للحرب وجهاً آخر غير انتظار النصر، واستذكار شعر زهير ابن أبي سلمى:
وما الحرب إلاّ ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجّم.
وما الحرب إلا ما علمتم
[post-views]
نشر في: 26 ديسمبر, 2014: 09:01 م