سأطلب منكم أن تبتسموا قليلا، فالفريق الركن علي غيدان قائد القوات البرية السابق اعتبر أن "المعلومات التي أدلى بها الغراوي هي كشف لأسرار عسكرية، وبالتالي ستؤثر سلباً على المؤسسة العسكرية"، إنه حقا لسر كبير.
لم تخلُ قضية مهرجان "سقوط الموصل " من بعض الفكاهة والسذاجة إن لم نقل "مضحكات"، فاقت كثيراً ما عاناه عمنا المتنبي حين وصف هذا النوع بأنه ضحك كالبكاء.. ومن هذه المضحكات ما سمعناه في الثلاثية التلفزيونية التي قام ببطولتها الفريق مهدي الغراوي، ومثل مسلسل ميلودرامي، لم يهتم أحد بالحبكة ولا بتفاصيل الشخصيات ولا بالمكان والزمان، ولا بأي شيء سوى أن يظهر الفريق الغراوي بلحيته الكثة، ليقول لنا إن هناك ابطالا مجهولين في قضية الموصل لعل ابرزهم عدنان الاسدي، وان ضياع ثلث اراضي البلاد، كان بسبب عدم سماع نصائح القائد العام للقوات المسلحة.. ولهذا لابد من توابل ومطيبات لتظهر الحكاية، كأنها ليلة من ليالي الف ليلة وليلة، بينما كلمة النهاية تكتب بنفس الخط الرديء الذي كُتب به اسم الحكاية.
ولأن الحكاية لم تنته، فإن الفصل الأكثر فكاهةً فيها هو الرد الذي تفضل به السيد علي غيدان مشكورا حول تساؤلات العراقيين عن اسباب ضياع الموصل، فغيدان اعتبر أن الغراوي " مطلوب للقضاء وهارب من الجيش ".. الآن يمكنكم ان تضحكوا، فنحن نعيش فصول مسرحية كوميدية لا يراد لها ان تسدل الستارة.
مع البيان الثوري للسيد غيدان، يحتاج الأمر منا جميعا إلى قدرة هائلة على تمالك أعصابنا قبل أن نموت من القهر والغيظ، فقائد عمليات الموصل مهدي الغراوي الذي ظهر يبتسم يوم 13/ 3 /2014 اي بعد " خراب " الموصل بثلاثة ايام، وهو يتسامر مع السيد علي غيدان في مكتب القائد العام للقوات المسلحة، تبين لنا جميعا انه هارب من الخدمة وان بيان القيادة العامة للقوات المسلحة الذي نشر في الرابع عشر من حزيران عن عدم هروب القادة العسكريين، كان " مزورا " أيضاً.
يسقط كبار المسؤولين، في سلاح الكذب، لذلك قال نابليون ذات يوم لأحد ضباطه: إياك والكذب على جنودك، فهو أول الطريق لخسارة الحرب، لو حدثت قصة غيدان وتابعه الغراوي في بلد ديمقراطي حقيقي، لكانت تحولت إلى رواية من روايات الصحافة، لكنها حصلت في زمن لا صوت يعلو فيه على صوت " الشفافية ".
مسؤولون يهملون البحث عن الأسباب، وينشغلون بالبحث عن المبررات، في العالم، يعتبرون التقصير الوظيفي "فضيحة" تلاحق صاحبها الى القبر.. قبل عام شاهدنا الجنرال الأميركي "بترايوس" يُقدم استقالته من جميع مناصبه، لان أعراف دولة المؤسسات يستحيل معها القبول بموظف يمارس الكذب.. قد يبدو الاستشهاد ببترايوس مكررا، لكن اعادة الحديث عنه الان أمر مهم، ونحن نرى ضابطا كبيرا مثل الفريق علي غيدان يرفض رفضاً قاطعاً أن يوجَّه له سؤال عما حدث من خراب أمني.
المنصب العام في الديمقراطيات المحترمة مسؤولية تلزم نظاماً رقابياً صارماً على كل أنواع التصرفات والسلوكيات الشخصية للمسؤول، كل شيء تحت المجهر لصاحب المنصب العام: ثروته، علاقاته، حتى صحته، المنصب العام مسؤولية عظمى، لامكان فيه لحكايات المقاهي وقصص الخيال.
في مقاله الاخير كتب توماس فريدمان:" من الأشياء المهمة التي قمنا بها، مؤخرا هو نشر تحقيق كشف عن تعذيبنا سجناء ومتهمين بالإرهاب إني حقا أشعر بالسعادة لأننا نشرناه. لان النقد الذاتي هو ما يحافظ على مجتمعنا ككل صحيا.".،
فيما أكد اوباما ان الجدل المثار بشأن تفاصيل الكشف عن عمليات التعذيب يصب في صالح أميركا... المهم ان تؤمن أن قوتك ليست في خداع الآخرين..
صدِّقوا ما قاله غيدان!!
[post-views]
نشر في: 28 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
عمر ياسين
Like